أهلاً مهاتير محمد

آراء 2019/03/26
...

محمد شريف أبو ميسم
 

نقلت وسائل إعلام محليَّة خبر تلبية رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، لدعوة وجهها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لزيارة العراق قريباً. ومهاتير محمد رابع رئيس وزراء لماليزيا التي خرجت مرهقة من الاستعمار البريطاني لتتحول في فترة حكمه من بلد زراعي متخلف يعيش على بيع المطاط والقصدير الى بلد صناعي متقدم يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيه بنحو 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة السلع المصنعة 85 بالمئة من إجمالي الصادرات، فيما ارتفع متوسط دخل الفرد فيه من 350 دولاراً سنوياً الى ثمانية آلاف دولار، وأصبح الشعب الماليزي شريكاً حقيقياً في الاقتصاد المحلي، بعد أنْ كان لا يحتكم على أكثر من 2 بالمئة منه، لتكون ماليزيا وبفضل سياسة مهاتير محمد أنموذجاً للعدالة الاجتماعية في إطار نظام اقتصادي يتواءم مع اقتصاد السوق الاجتماعية.
إذ إنَّ هذا الرجل الذي تولى المسؤولية للفترة من 1981 الى 2003 قبل أنْ يعتزل العمل السياسي، كانَ من أشد المعارضين للعولمة، بوصفها نهجاً لهيمنة سلطة المال الأجنبي على مقدرات الشعوب واقتصاداتها وثقافاتها، إلا أنه استطاع أنْ يحسن استغلال فرص الاستثمار الأجنبي والتجارة بكيفية يشرحها في مذكراته «طبيب في رئاسة الوزراء» فيصفها بـ»الانفتاح على العالم بلا إفراط ولا تفريط» وهذا هو الرقم السري الذي جعله يمسكُ بالنجاح تلو النجاح في قيادة بلاد كانت في ذيل قائمة الدول الفقيرة والمتخلفة، لتكون مع اعتزاله السياسة من بين أشرس النمور السبعة في شرق آسيا، إلا أنَّ تفشي الفساد «بعد أنْ أصبح خليفته لرئاسة الوزراء محمد تون عبد الرزاق أكثر انفتاحاً على مؤسسات العولمة الاقتصاديَّة وخاتماً في أيدي المفسدين من حكام الدول النفطيَّة الحليفة للولايات المتحدة» جعله أحد المرشحين في الانتخابات الأخيرة، تحت رغبة شعبيَّة عارمة، وهو في عامه الثالث والتسعين ليفوز بأغلبية المقاعد، ويكون أكبر حكام العالم عمراً، وأكثرهم شعبيَّة وأجلَّهم هيبة وصدقاً مع شعبه وشعوب العالم الإسلامي، فكلنا نتذكر موقفه حين رفض منح بلاده تأشيرات دخول للاعبين إسرائيليين في بطولة دولية للسباحة تستضيفها ماليزيا وما زال قوله حين اشتدت الضغوط الإسرائيلية والدوليَّة عليه «نحن لا نقبل بدخول الإسرائيليين الى بلادنا، واذا أرادت اللجنة الدولية سحب حق الاستضافة فلتفعل»، ليوجه صفعة قويَّة للمُطَبّعين العرب مع الكيان الإسرائيلي الذين صدعوا رأس التاريخ بالشعارات الإسلامويّة في سوق السياسة.
مهاتير محمد حين عاد للسلطة أطاح بالحزب الحاكم الذي كان يتزعمه بنفسه لأكثر من 22 عاماً، لأنه حزبٌ مارسَ الفسادَ، وبعد أسبوعين من امتلاكه مقاليد السلطة وضعت السلطات الماليزيَّة رئيس الوزراء السابق وزوجته على قوائم الممنوعين من السفر. ليواجهوا اتهامات تتعلق باختلاس نحو 4.5 مليار دولار أميركي. ثم ألغى الضرائب على السلع والخدمات التي عملت بها الحكومات السابقة ليضرب عرض الحائط توجهات ما يسمى «الإصلاح الاقتصادي» التي فرضتها مؤسسات العولمة الاقتصاديَّة، فيما يسعى حالياً الى استرداد مليارات الدولارات التي تم تحويلها عبر عمليات «غسيل أموال» إلى دول أبرزها الولايات المتحدة وسويسرا، لسداد الديون التي زادت من أعباء المعيشة على المواطن الماليزي، رافضاً أسلوب اللجوء للدين الخارجي مرة أخرى.
أهلاً بك مهاتير محمد في بلاد ما بين النهرين، أهلاً بك في الميزوبوتاميا وأنت تدعو الى المعرفة وتأمل التاريخ، أهلاً بك وأنت تؤكد دوما أنَّ البلدان القائمة على العمق التاريخي لا يمكن أنْ تموت، أهلاً بك وأنت تكشف لنا الوصفة الطبيَّة لنمو ماليزيا.