القمة الثلاثية.. حوارٌ في الواقعيَّة السياسيَّة

آراء 2019/03/26
...

قد يحملُ الاجتماعُ الثلاثي الذي جمع السيد رئيس الوزراء مع الرئيس المصري والملك الأردني، رسائل اقتصاديَّة واضحة، وتوجهات تسعى لمواجهة جملة من التحديات التي تعيش تداعياتها هذه الدول، لكنْ تبقى الرسائل السياسيَّة والأمنيَّة هي المحورُ العميقُ والفاعلُ، والذي يمكنه أنْ يُعطي للعلاقات الاقتصاديَّة زخماً قوياً، وأفقاً واقعياً لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من برامج، وباتجاه خلق بيئة سسيو- أمنية فاعلة وواقعيَّة وبعيدة عن صراعات المحاور، وعن تأثير الصراعات الدوليَّة الضاغطة على الجميع..
وقد يكونُ هذا اللقاء الثلاثي تمهيداً للتنسيق بين الدول بشأن ما ينبغي مقاربته من ملفات ومواقف في مؤتمر القمة العربي الذي سَيُعقدُ في تونس قريباً..
ما تبدى من تصريحات للمجتمعين يكشفُ عن واقعٍ عربيٍ جديدٍ، على مستوى معالجة الأزمات والملفات المعقدة، لا سيما الملفين السوري واليمني، فضلاً عن إمكانية معالجة أزمة العلاقات العربيَّة الإيرانيَّة، والتخفيفِ من طبيعة الضغط الأميركي ومن مواقفه المثيرة للجدل، لا سيما بعد الموقف الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهوديَّة، والاعتراف بأنّ الجولان المحتلة جزءٌ من أرضِ إسرائيل..
وبقطع النظر عن طبيعة الحساسيات السياسيَّة، ومواقف البعض من العراق الجديد، فإنَّ واقعَ التحديات العربيَّة، يؤكد أهمية أنْ يكون العراق الذي انتصر على داعش في صلب مواجهة هذه التحديات، وفي استثمار طاقاته السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة لإيجاد فضاءٍ عربيٍ جديدٍ يقومُ على فكرة التعايش الآمن، وامتلاك قدرة الاعتراف بالمتغيرات السياسيَّة الجديدة، إنْ كانت في العراق أو في سوريا أو حتى في اليمن وفي الجزائر وليبيا.
 
الاقتصاد بوصفه ملفاً واقعياً
لقد شكّل توقيع الاتفاقيَّة الاقتصاديَّة بين العراق والأردن عتبة للنظر نحو أفق اقتصادي عربي فاعل، وحقيقي بين الدول الثلاث، وبما يجعله هدفاً يقومُ على توسيع مديات تبادل المنافع التجاريَّة والثقافيَّة وحتى الأمنية، وتغذية عوامل الانفتاح والاستثمار، والى خلق اطمئنانات سياسيَّة للدول الأخرى، والتي ما زال بعضها ينظر للعراق وكأنه دولة عنف، أو حتى النظر إليها بحساسيَّة طائفيَّة.
إنَّ النمو الاقتصادي العراقي وتحوله الى الدولة النفطيَّة الثانية في تصدير النفط في أوبك يعزز دورَ العراق في مستقبليات الواقع العربي، وفي تنشيط معطيات التنمية، وفي توسيع مشاريع ستراتيجيَّة للاستثمار بين الدول، وبما يُسهم في خلق بيئة عربيَّة جديدة وقويَّة لمعالجة الملفات الأمنيَّة، وبحث ملفات أمنيَّة استخباراتيَّة في مجال مكافحة الإرهاب، لأنَّ الإرهاب ورغم الانتصارات التي تحققت في الميدان ما زال يمثلُ تهديداً واسعاً للأمن القومي العربي، وهو ما يقتضي ترصين الجبهات الداخليَّة والخارجيَّة والعمل على خلق بيئات اقتصاديَّة فاعلة تعالجُ مشكلات الفقر والبطالة والتطرف.
لقد بات واضحاً أهمية الحاجة الى التواصل العربي العربي، والى النظر للمشكلات القوميَّة برؤية جامعة، وعلى وفق المصالح والحاجات، وبما يبعد المنطقة عن مزيدٍ من الأزمات الاقتصاديَّة والعنفيَّة والاضطرابات الأمنيَّة، والعمل على تنمية الحوار الستراتيجي بين الدول، وتنشيط الاتفاقيات البينيَّة، على مستوى التبادل التجاري والاستثماري والزراعي، وفي الطاقة والسياحة والبناء والتشييد وغيرها..
أهمية توسيع مديات الملف الاقتصادي ستنعكس بشكلٍ أو بآخر على الملفات الأخرى، ليس في سياق (كتلة قويَّة) في المنطقة بمواجهة التحديات الأمنيَّة، بل في سياق خلق تفاهمات عقلانيَّة تنعكسُ على جميع الدول، وتساعدُ في معالجة الأزمات والملفات الشائكة، وفي تقريب وجهات النظر بين المتصارعين، وعدم تحويل المنطقة العربيَّة الى منطقة صراع إثني وطائفي وقومي، فضلاً عن دور هذه العلاقات في ترتيب علاقة البيت العربي مع الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، إذ نلمسُ ملامح (حرب باردة) بينهما، وأنّ الأرض العربيَّة ستكون هي ميدانها الساخن..
 
صناعة المستقبل
الرهان على صناعة المستقبل يتطلبُ جهداً سياسياً واقعياً، وخططاً وبرامجَ تعملُ تهيئة كل الظروف التي تؤمّن الطريق الواضحة للمستقبل، وهو ما يعني أنْ تفتح هذه الدول الثلاث أفقاً لتأكيد أهمية تأهيل الخطاب السياسي العربي لتقبّل معطيات المستقبل، ولتنمية الوعي بها، وبعيداً عن الحساسيات الطائفية التي ما زالت بعض مؤسساتنا العربيَّة تعملُ بها، ومنها ما يتعلق بتبادل الزيارات بين الدول، والحصول الآمن للفيزا، التعامل الدبلوماسي الإنساني مع الزائرين الى هذه الدول، لا سيما في المطارات المصريَّة، إذ يجد العراقيون تعاملاً غير لائق، وعلى وفق حساسية أمنية وطائفيَّة تتعرقل فيها كثيرٌ من إجراءات الدخول الى مصر..
الحديثُ عن المستقبل السياسي والاقتصادي هو بالضرورة الحديثُ عن التعايش، وعن خلق البيئات الثقافيَّة التي تعزز مسار هذا المستقبل، وبما يعزز الثقة به، وبالتوجهات والخطط التي تقفُ وراءه، والساندة له، والتي تتأكد فيها طبيعة المسؤوليات العربيَّة التي تنهض بصناعة هذا المستقبل، وبكل التوجهات التي تجعلُ الناسَ تثق به، وبفاعليته في إيجاد تواصل عربي حقيقي وواقعي..