عبدالله الجيزاني
الزراعة نفط دائم كما يصفها الاقتصاديون، وهي ثروة دائمة وضمان لأبناء البلد الذي تزدهر فيه، والدول التي تسعى لامتلاك قرارها السياسي والاقتصادي، تعطي للزراعة اهتماما مضاعفا لأن توفر المنتج المحلي يجنبها التلاعب الخارجي الذي يستغل حاجتها لقوت شعبها، الأمر الوحيد الذي يمكن أن يدفعها لتقديم التنازلات على كل المستويات.
عندما كنا طلابا في الجامعة زار العراق خبير من منظمة فاو للأغذية، قال في حينها “بعد أن اطلعت ميدانيا على ما سبق لي قراءته عن مقومات الزراعة في العراق؛ أجزم الآن بأن العراق سلة غذاء الشرق الأوسط وهو قادر على توفير المنتجات الزراعية بكل أنواعها لكل دول المنطقة بكل يسر وسهولة”.
ما يحصل اليوم أن العراق بلد الرافدين والأراضي الصالحة للزراعة من شماله لجنوبه تحول إلى سوق لدول المنطقة، تصرف فيها منتجاتها التي تفوح من ثناياها المواد الحافظة والتعديلات الجينية؛ لتثمر مئات الألوف من الإصابات بالأمراض السرطانية تساعدها أجواؤنا الملوثة.
مشكلة الزراعة في العراق إهمال أصحاب الشأن، وعجز الفلاح العراقي وتعطيل المهندس الزراعي؛ لتكمل النتائج أراضي حولت لسكنية تجاوز وأخرى مزارع للترفيه وقضاء العطل وأخرى بورا متروكة مهملة.
لقد فقد الفلاح الجاد أي حماية لمنتجاته عندما فتحت الحدود على مصراعيها لتستقبل كل المحاصيل والمنتجات المصنعة وغير المصنعة؛ وبهذه الأسباب وغيرها تردت الزراعة ؛ وبذلك يفقد البلد موردا آخر من موارد الاقتصاد التي من شأنها أن تخلص البلاد من معضلة الإقتصاد الريعي ، ناهيك عما سيترتب من نتائج لا يحمد عقباها من بطالة عندما يفقد آلاف الفلاحين والعاملين في هذا المجال فرصهم في العمل في وقت يسعى البلد لمواجهة البطالة لا أن يفتح على نفسه أبوابا لمشاكل أخرى هو في غنى عنها.
لن يكون هناك تغيير إن لم تتوجه الدولة لوضع معالجات حقيقية يساعدها في ذلك الأجواء والتربة الخصبة واستغلال وفرة الأمطار في هذا العام ورغبة الفلاح العراقي في إعادة منتجاته للسوق بقوة ومنافسة المستورد ولا حل أمامه سوى أن يفعل ذلك فهي مهنته التي يعرفها في أرض السواد.
يضاف لذلك توفر الكوادر الأكاديمية والخبرات العراقية التي من شأنها أن ترتقي بالمنتج الزراعي العراقي، من خلال مجموعة إجراءات يمكن أن تتخذها الحكومة في هذا الصدد تبدا بالأرض من خلال الزام مالكيها أو مستأجريها بزراعتها أو التخلي عنها، وفرض عقوبات حقيقية ضد المخالف، ثم الانتقال إلى مرحلة توفير الدعم اللوجستي من مياه وآليات ومستلزمات من أسمدة وقروض ميسرة، وطرق تسويق وتسهيل إجراءات تسلم المنتج من الفلاح، لاسيما الحنطة والشعير والأرز.
من المهم أيضا توجيه وتشجيع الشركات الصناعية، وإن كانت قليلة، بالاعتماد على المنتج المحلي لفتح آفاق جديدة للفلاح؛ عندها سوف يقاطع المستهلك ما يصدر له من الجوار ويتجنب نتائج تناول ما يستورد، خاصة ان المنتجات المحلية لا تقارن جودتها بغيرها من جميع النواحي، كما ان المواطن العراقي صاحب ذائقة تميل للمنتج المحلي وما لجوؤه للمستورد إلا تحت عنوان ما حيلة المضطر.
لذلك من الضروري ان يعود العراق، بلد السواد، لسابق عهده من خلال تحقيق خطوة أخرى باتجاه النهوض بقطاعات إنتاجية ومنها الزراعة التي من شأنها أن تعزز مكانته الاقتصادية وتعيده إلى الصدارة.