الخصومة المنعدمة والخصومة الناقصة
من القضاء
2022/07/05
+A
-A
أحمد عبد الجليل ظاهر
أشار المشرّع العراقي بموجب المادة 4 من قانون المرافعات المدنيَّة إلى شرطٍ أساسيٍّ ينبغي توافره في الدعوى المقامة أمام المحكمة، إذ نصَّ على (يشترط أنْ يكون المدعى عليه خصماً يترتب على إقراره حكمٌ بتقدير صدور إقرار منه وأنْ يكون محكوماً أو ملزماً بشيء على تقدير ثبوت الدعوى ومع ذلك تصح خصومة الولي والوصي والقيم بالنسبة لمال القاصر والمحجور والغائب وخصومة المتولي بالنسبة لمال الوقف وخصومة من عده القانون خصماً حتى في الأحوال التي لا ينفذ فيها إقراره)
وأشار في المادة 51 ورسم طريق تسلكه المحكمة في أول جلسة وهو أن تتحقق من إتمام التبليغات وصفات الخصوم وحضور الخصوم بأنفسهم أو من يوكلونه من المحامين أو من يجوز حضوره عنهم في الدعاوى الصلحيَّة.
توفر الخصومة من عدمها
وجعل من واجبات المحكمة ردّ الدعوى من حيث عدم توجه الخصومة وعده من النظام العام ومن الدفوع التي يمكن للخصم إبداؤها في أي مرحلة من مراحل الدعوى وهذا يقتضي أنْ تقضي المحكمة بتوفر الخصومة من عدمها قبل الدخول في موضوع الدعوى، كما نصَّ عليه في المادة 80 من ذات القانون (أي حتى قبل المباشرة فلا يقال بوشر في المرافعة حضورياً أو غيابياً إلا بعد التحقق من الخصومة)
وقد يقع البعض في خلطٍ بين الصفة والخصومة، حتى أنَّ الكثير من المحاكم قد لا تلتفت إلى هذا الفرق في بعض أحكامها، فالخصومة كما هو واضحٌ هو أنْ «يكون من أقيمت عليه الدعوى هو الشخص الذي يكون محلاً لتنفيذ الحكم القضائي وأما الصفة فهي وضعٌ يجعل الماثل أمام المحكمة نائباً عن غيره أو ممثلاً له كالمحامي فهو ليس خصماً وإنما هو ممثلٌ عن الخصم أو الوكيل فهو نائبٌ عن الموكل الذي عُهِدَ إليه بتصرفٍ قانوني (عند المشرّع العراقي) أو بعمل (عند المشرّع المصري).
وبالعود إلى الخصومة المعدومة والناقصة، فالأولى «لا يمكن أنْ تتطرق المحكمة إلى إصلاحها أو تلزم من أقام الدعوى بإصلاحها لأنها غير قابلة للإصلاح فإذا أقام شخصٌ الدعوى وهو ليس بطرفٍ في الدعوى فتردّ الدعوى لعدم تحقق الخصومة» (وليس كما تذهب إليه بعض المحاكم بأنْ تردَّ الدعوى شكلاً، إذ إنَّ الخصومة ليست من مقتضيات الشكليَّة في الدعوى وإنَّما هي صفة خاصَّة بالدعوى ومن قبيل الدفوع المختلطة بين الشكليَّة والموضوعيَّة والتي تسمى بالدفوع بعدم توجه الدعوى)، كما ذهبت لذلك محكمة استئناف بغداد- الرصافة في حكمها المرقم (1032/ م/ 2012) في 2012 في الدعوى المقامة من قبل ابن المؤجر مع حياة أبيه على المستأجر لغرض التخلية (يجب أنْ تقام الدعوى من قبل الخصم الحقيقي وليس من الوكيل وإنما بوصفه وكيلاً عنهما، مما يجعل الخصومة غير متوجهة)، أما بالنسبة للخصومة المنعدمة من جهة شخص المدعى عليه فهي التي تقام على مدعى عليه لم يكن طرفاً في النزاع الحقيقي، كما ذهبت لذلك الهيئة الاستئنافيَّة في محكمة التمييز الاتحاديَّة بقرارها 2382/ 2007 (تكون الخصومة متحققة إذا أقيمت الدعوى على ورثة المتوفية إضافة للتركة إنْ كانت المورثة هي التي تعهدت بنقل ملكيَّة العقار قبل وفاتها، إذ لا تركة إلا بعد سداد الديون فتكون التركة هي الخصم) وهنا من المهم الإشارة إلى خصومة الورثة وتحقهها والأشكال الوارد عليها، إذ أشارت المادة 5 من قانون المرافعات المدنية الى (يصحُّ أنْ يكون أحد الورثة خصماً في الدعوى التي تقام على الميت أو له ولكن الخصم في عينٍ من أعيان التركة هو الوارث الحائز لتلك العين)، إذ إنَّ القاعدة العامَّة تشير الى أنَّ الشخص لكي يكون خصماً لا بُدَّ أنْ يترتب على إقراره حكمٌ بتقدير صدور إقرار منه، ولكنْ في الدعوى التي تقام على الميت أو له فإنه من الممكن أنْ يكون أحد الورثة خصماً في الدعوى التي تقام على الميت أو له، وحيث إنَّ الورثة وفقاً لحكم المادة (142) من القانون المدني العراقي هو الخلف العام للمورث والخلف العام هو من يخلف غيره في ذمته المالية كلها أو جزءاً شائعاً فيها كالوارث والموصى له بجزءٍ من التركة، إذ إنَّ الوارث يحلُّ محل ورثته ولكنْ في حدودٍ ما آل اليه من هذه التركة من حقوقٍ، ويكون للدائن مطالبة أحد الورثة بالدين من دون أنْ يكون لهذا الوارث أنْ يدفع بعدم تمثيله لبقية الورثة وأساس هذا الالتزام أنَّ الدين الذي خلفه المورث يكون بمثابة الدين الذي لا يقبل الانقسام وفق أحكام المادة (337) من القانون المدني العراقي، إذ إذا تعدد المدينون في التزامٍ غير قابلٍ للانقسام كان كلٌ منهم ملزماً بوفاء الدين كاملاً وللمدين الذي وفى الدين حقُّ الرجوع على الباقين بقدر حصته إلا إذا تبين من الظروف غير ذلك.
كيف تكون الخصومة متكاملة؟
وهنا إذا كانت الدعوى بشأن عينٍ من أعيان التركة فإنَّ الخصومة تعدُّ متكاملة إذا أقيمت على الخصم الحائز للعين المتنازع بشأنها وليس المقصود من ذلك أنَّ الوارث الحائز يكون خصماً كاملاً في ملكيَّة العين التي يحوزها أو في حقٍ عيني عليها دون باقي الورثة بل هو خصمٌ يمثل نفسه في حدود حقوقه تمثيلاً كاملاً ولكنَّه لا يمثل باقي الورثة تمثيلاً كاملاً بل هو هنا يمثل غيره من الورثة تمثيلاً يفرضه القانون وينطبق عليه ما ينطبق على تمثيل أي وارثٍ للتركة فلا يسري عليهم إقراره بشأنَّ تلك العين ولا نكوله عن اليمين بشأنها ولكنَّ المقصود من النص هو أنَّ الدعوى في عينٍ من أعيان التركة لا تكتمل إلا بمخاصمة الوارث الحائز لتلك العين كحدٍ أدنى؛ لأنَّ المدعي قد يتعمد أنْ يقيم الدعوى بشأن تلك العين على وارثٍ غير الوارث الحائز لتلك العين للإضرار بالوارث الحائز للعين باستغلال غيابه من الدعوى، لذلك وضع المشرع ما يضمن حمايته من ذلك بأنْ أوجب أنْ يخاصم في الدعوى، فلا تصح مثل تلك الدعوى إلا بمخاصمته، ولكنه لا يمنع من أنْ يضيف المدعي الى جانبه في الدعوى غيره من الورثة، وهو قد لا يكفي لوحده فيها دائماً بل ينطبقُ عليها ما ينطبق على سواها من الدعاوى التي تقام للميت أو عليه، وقد تضطر المحكمة الى قبول إدخال باقي الورثة أشخاصاً ثالثة في الدعوى إذا أقيمت على الوارث الحائز وحده في الحالات التي تستوجب ذلك، كحالة عجز المدعي عن إثبات دعواه بملكيَّة العين وإقرار المدعي عليه بملكيَّة العين بالكامل؛ لأنَّ إقراره لا يسري في حق غيره، فلا بُدَّ من إدخال باقي الورثة، ولو كان الوارث الذي أقيمت عليه الدعوى هو الحائز للعين المدعى بها.
لكنَّ تلك مسألة متعلقة بإثبات الدعوى لا بالخصومة فيها، فالدعوى المقامة بعينٍ من أعيان التركة على الوارث الحائز لتلك العين كاملة الخصومة دونما حاجة لمخاصمة باقي الورثة، إلا أنَّ الحق بتلك العين لا يثبت بإقرار ذلك الوارث أو نكوله عن أداء اليمين لوحده، بل لا بُدَّ لثبوت الحق بها كلها في مواجهة باقي الورثة غير المخاصمين في الدعوى.
أما إذا أقام المدعي دعواه بشأن عينٍ من أعيان التركة على وارثٍ آخر غير الحائز للعين فلا نرى أنْ يصار الى ردِّ دعواه شكلاً لعدم توجه الخصومة ولو أنَّ النصَّ يحتمل ذلك (المادة 5 من المرافعات)، بل نرى أنْ يصار الى سؤاله عن إدخال الوارث الحائز للعين موضوع الدعوى شخصاً ثالثاً فيها إكمالاً للخصومة فإذا طلب ذلك أدخلته المحكمة واستمرت بنظر الدعوى، أما إذا رفض فيتمُّ ردُّ الدعوى من هذه الجهة لعدم اكتمال الخصومة؛ لأنَّ الدعوى المقامة بشأن العين على وارثٍ غير حائزٍ لها لأنَّ الخصومة تعدُّ ناقصة وامتنع المدعي من إكمال الخصومة فيها.
ويلاحظ هنا أنَّ التحقق من الخصومة في مثل هذه الدعوى لا يكفي فيه أنْ يثبت للمحكمة أنَّ المدعى عليه هو أحد الورثة بل يتوجب بالمحكمة أنْ تثبت (بطريقٍ آخر غير الإقرار) أنَّ المدعى عليه هو الوارث الحائز للعين محل الدعوى، ولكنَّ المحكمة في غنى عن البحث في ذلك في حالة واحدة وهي أنْ يكون المدعي قد أقام دعواه على الورثة جميعاً لأنَّ الدعوى هنا كاملة مطلقة ولو كانت العين محل الدعوى ليست في حيازة أحدهم فقد تكون العين في حيازة غير الورثة كالغاصب أو السارق أو المستعير، فالعين محل الدعوى إذا لم تكن في حيازة أحدٍ من الورثة كأنْ تكون عند ذات المدعي فإنَّه ينطبقُ عليها ما ينطبقُ على غيرها من الدعاوى التي تقامُ على الدعوى.
الخلاصة أنَّ اشتراط إضافة الدعوى للتركة ينبع من أسبابٍ عمليَّة يقوم بقيامها وينتفي بانتفائها.
ومن المفيد أنْ نشير هنا الى أنَّ الخصم في الدعوى التي تقام على الميت أو له هي وزارة المالية إذا توفي من دون وارثٍ أو لا موصى له لأنَّ أمواله تؤول لخزينة الدولة.
التمييز بين الخصومتين
وعليه فإنَّ ما يميز الخصومة المعدومة عن الناقصة:
• إنَّ الخصومة المنعدمة لا يمكن إكمالها لأنها مقامة على خصمٍ غير قانوني ابتداءً، بينما الخصومة الناقصة تكون مقامة على خصمٍ قانوني ولكنها غير مكتملة فيجوز تصحيحها بإدخال الخصم الحقيقي. وقد جاء في أحد قرارات محكمة التمييز الاتحادية (إذا كانت الخصومة ناقصة فإنَّه يجوز إكمالها بناءً على طلب المدعي أثناء سير الدعوى، أما إذا كانت الخصومة خاطئة فلا يجوز تصحيحها ويقتضي على المحكمة ردُّ الدعوى من دون الدخول في أساسها كونها من النظام العام)، وفي قرارٍ تمييزي آخر (....وان طلب المميز بإدخال الخصم الحقيقي لا يغير من تلك الحقيقة شيئاً، إذ لم تكن هناك خصومة ناقصة بالإمكان إكمالها وإنما الخصومة منعدمة أصلاً فلا يجوز تصحيحها بإدخال الخصم الحقيقي وعلى المميز إنْ شاء إقامة دعواه على الخصم الحقيقي).
• تكون الخصومة ناقصة عندما لا يوجد في الخصم العناصر المكونة للخصم الكامل على الرغم من أنَّ هذا الخصم يباشر إجراءات المطالبة بالحقوق باسمه وبإرادته في مواجهة الطرف الآخر أو بناءً على صفة مشتقة من صفة أحد الخصوم الأصليين رغم أنَّ هذا الخصم قد يكون هو صاحب الصفة في الدعوى وهو الخصم الحقيقي إلا أنَّه يستحيل عليه مباشرة الدعوى لكونه لا يملك أهليَّة التقاضي، أما الخصومة المنعدمة فإنَّها تكون عند تخلف الشروط الواجب وجودها في من يكون خصماً في الدعوى.
استحالة موضوعيَّة
الخصومة المنعدمة أو غير المتوجهة هي التي لا يمكن إصلاحها لا من قبل المحكمة ولا من قبل المدعي مهما بُذِلَ من جهدٍ في إصلاحها؛ لأنَّ الاستحالة هنا استحالة موضوعيَّة وليست شكليَّة.
أو بمعنى آخر إنَّها ابتدأت بشكلٍ خاطئ ومن غير الممكن أنْ تستمرَّ لأنَّ الاستمرار بها يؤدي الى أنْ يكون الحكم غير قابلٍ للتنفيذ ولن يكون له محلٌ؛ وهذا المعنى ذاته جسده المشرّعُ العراقي في المادة (80) من قانون المرافعات المدنية حينما ذهب بقوله:
1- إذا كانت الخصومة غير متوجهة تحكم المحكمة ولو من تلقاء نفسها بردِّ الدعوى من دون الدخول بأساسها.
2- للخصم أنْ يبدي هذا الدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى.