جمرةُ النقد المُتوَهّجَة

ثقافة 2022/07/06
...

د . صالح الصحن
 بجمرتهِ المتقدة يتوهجُ القلم النقدي للكاتب والمخرج رضا المحمداوي، الكاشف لمعطيات فترة زمنية سابقة للدراما التلفزيونية تمتد من عقد الثمانينيات ولغاية عام 2003، والمنقب عن عناصر بناء الصنعة السمعية البصرية في أعمال تلفزيونية لا تقل عن 60 عملا، ذلك ما أشارت اليه تجربته النقدية، التي لا تخلو من جرأة بالغة في تبني المعايير اللازمة في تحليل العمل الفني،
 
فقد ناقش كثيراً المتن الحكائي وأصول بناء الحبكة وطرائق السرد التلفزيوني مُشخصَّا مواطن الترهل والإفاقة معاً، وبما يتصل بحلبة الإيقاع، التي يرغب بها أنْ تكون متوثبة بفعل ضربات الأفعال وحسن نسيج الأحداث. 
ولن يتردد الناقد رضا المحمداوي في كشف منافذ التدفق السردي العابرة للخطوط الفرعية والمُتجّهة بفعل الحافز الدرامي صوب مسار الحبكة الرئيسة، ولهذا نجدُهُ يصف بعض الأعمال بافتقارها إلى البناء الدرامي المتماسك، والمراوحة في التشتت والتناقض والتراخي، وشدَّد ايضاً على مناقشة المشكلات الإجتماعية التي تبنتَّها بعض الأعمال التلفزيونية من حيث مديات القرب والبعد عن منظومة القيم والأعراف الاجتماعية والأخلاقية، الأمر الذي إنعكس على طريقة بناء بعض الشخصيات والقصدية الجلية في التصميم المسبق لها.
ولن تهدأَ جمرته في نقد وتحليل حركة الكاميرا التي لا بُدَّ أنْ تتخلى عن سمة الجمود والتردد، بينما شجَّعَ واشادَ بعدد كبير من الأعمال الجريئة التي دفعتِ بالكاميرا للميدان في الشوارع والمدن والأزقة والفضاءات الطبيعية الحقيقية، وتوقفتْ كتابتُهُ النقدية عند الكثير من حالات اداء الممثل وتنويعاته التعبيرية، ومدى قدرة إدارة المخرج في خلق هذا الأداء. 
ويبدو أن ملاحظاته لمْ تتركْ شيئاً دونَ أنْ تضعَهُ في مختبر التحليل والمناقشة، فقد ناقشتِ الأسباب والمسوَّغات، التي دفعتِ الكاتب والمخرج من اختيار أسماء أعمالهم الدرامية التلفزيونية، وبقَدْرٍ من الدلالة التعبيرية، التي تشير إلى رسالة وهدف هذه الأعمال. 
ومَّما يشار إليه أنَّ قلم المخرج والناقد رضا المحمداوي، قد ابتكرَ محطات جدل في المقاربة بين أعمال الكاتب أو المخرج السابقة والحالية ومدى حجم التطور أو التراجع، الذي اتسّمتْ بهِ في البناء والصنعة والجمال، الأمر الذي دَفَعَ الناقد (المحمداوي)، أحياناً إلى التساؤل والدهشة والإحباط عن بعض الإخفاقات، التي لم يكن يتوقعها من هذا الكاتب او المخرج، بفعل درايته الشديدة بقدراته ومهاراته المعروفة.
 وبخبرة مهنية ومنظور إخراجي يرى المحمداوي المعالجات الإخراجية والإسلوب المُتبَّع فيها على وفق معايير، واشتراطات اللغة الدرامية التلفزيونية وأنساق بناء الخطاب الصوري، وحمله لسيمياء العلامة والشفرة والدلالة والحركة والايماءة والسكون ضمن المنظومة المرئية، وما يمكن أنْ تجسَّدَ  فيها من أفعال وأحداث ومكونات، والتي دفعتْهُ إلى كشف عناصر الخلل في بناء اللقطة والمشهد والتكوين والقدرة على توظيف الإضاءة والألوان، واستخدام المكان وملاءمته لتجسيد الأحداث فيه. 
وعلى نار متقدة مرَّتْ جمرة النقد على بعض الأعمال وليس كلها، ولكنها لن تفارق الأبعاد السايكولوجية والاجتماعية في منظورها النقدي ولن تتخلى عن الإحساس بالزمن وحتمية التواصل والاستمرارية في بنية الحياة الدرامية، بما يضعنا أمام تجارب إخراجية متنوعة مختلفة، ساهم فيها كبار صناع الدراما التلفزيونية وشبابها المتألق وبقراءات موضوعية اتخذتْ من المعيار الفني حجةً في التحكيم وتثبيت الانطباع.