أحمد حسين
نحو 100 إنسان، أطفال وصبية وفتيات وشباب ونساء ورجال، فقدوا حياتهم في العبارة المنكوبة بمدينة الموصل ليس بسبب ارتفاع مناسيب المياه في نهر دجلة ولا لخلل في إجراءات السلامة أو جراء عاصفة أو سيول، بل السبب الرئيس هو متعهد جشع لم يكتفي بمضاعفة العدد المحدد لاستيعاب العبارة
بل رفعه إلى أضعاف مضاعفة بحسب ما أكدت مصادر مختلفة رسمية وغير رسمية والتي أوضحت أن الحمولة التصميمية للعبارة 50 شخصاً إلا أن المتعهد حشر فيها ما يقارب 200 شخص، هذا ما ذكرته الجهات المعنية ووسائل الإعلام
المحلية.
قبل فاجعة العبارة المنكوبة بأسبوع حدث أمر مختلف من الناحية المأساوية لكنه مطابق من ناحية السبب والمسبب، ألا وهو الفوضى التي شهدها ملعب الشعب الدولي وأدت إلى تأجيل كلاسيكو العراق بكرة القدم بين فريقيّ الزوراء والقوة الجوية ليس بسبب اعتذار أحد الفريقين أو حدوث أمر طارئ أو أي أمر آخر، بل كان السبب أيضاً متعهد جشع زج بأعداد هائلة من المشجعين حتى غصت بهم المدرجات إلى حد يفوق طاقتها القصوى ولم يكتف بذلك ففتح أمامهم أرضية الملعب وكدسهم بحيث وصلت صفوفهم إلى حافة المستطيل الأخضر، ما أدى إلى تأجيل المباراة لأسباب
منية.
رغم الاختلاف الواضح بين كارثة عبارة الموصل، وفوضى كلاسيكو كرة القدم، إلا أن حلقة الوصل بينهما واحدة وهي الجشع، وعلى الرغم من أن الجشع صفة بشرية سيئة لا يخلو منها مجتمع ولا زمان ولا مكان
، إلا أنها في الوقت نفسه معيار لقياس سلطة القانون في هذه الدولة أو تلك، فأينما وجد الجشع وجد معه نقيضان
، أحدهما القانون الرادع الذي يقف بالمرصاد لكل من يحاول استغلال الناس وفرض إرادته عليهم والحد من نفوذ الجشعين وكبح جماحهم بما يحفظ للمواطنين حقوقهم وللدولة ومؤسساتها هيبتها، وثانيهما إرادات فوق القانون تفتح الأبواب على مصراعيها أمام الجشعين ليعيثوا في الأرض فساداً، وهذه الإرادات لا تقتصر على مسمى واحد بل هي متعددة الأسماء لكن أبرزها
الفساد.
الفساد المستشري في العراق لا ينكره إلا فاسد أو أحمق يريد أن يجعل من نفسه محل سخرية، كما أنه ليس كما يروج البعض على أنه نتاج مرحلة ما بعد 2003، بل هو مترسخ منذ عقد تسعينيات القرن الماضي بل وحتى قبل ذلك العقد الأسود
، الفساد وتراجع سلطة القانون والاستقواء بالقبيلة والعشيرة في العراق بدأ منذ استيلاء شلة من القتلة المأجورين وقطاع الطرق و(الشقاوات) على مقاليد الحكم، فتغلغلوا في مؤسسات الدولة وفرخوا فيها وعملوا على تحييد المسؤولين والمدراء والموظفين النزيهين الذين يحترمون القانون وشرف الوظيفة، ثم جاءت حقبة الحصار التي فتكت بالمجتمع اقتصادياً وأخلاقياً
، وبالإضافة لذلك ترعرعت في مؤسسات الدولة طفيليات العهد الجديد، وبالتالي فلابد أن نشهد مثل هكذا مآسٍ وكوارث لا تفتك سوى بالناس
البسطاء.
حادث العبارة ليس مجرد حادث عرضي تسبب به ارتفاع منسوب المياه في نهر دجلة، بل هو إهمال المسؤولين عن صيانة وسلامة العبارة
، وجشع المتعهد، وتراخي الجهات الرقابية عن أداء واجباتها
، وقبل كل ذلك النظر للمواطن على أنه سلعة رخيصة ليست ذات قيمة
، لذا فإن موت أو بالحقيقة مقتل 100 إنسان أمر لا يخيف القاتل بل لا يثير حتى قلقه من العقاب
، لكن على ما يبدو أن هناك بارقة أمل، فإقالة محافظ نينوى ونائبيه
، حتى وإن كانت محاولة لامتصاص غضب الشارع إلا أنها أيضاً تؤشر على أن الجهات المعنية بدأت تحسب للشارع العراقي حساباً آخر، وربما نشهد في الأيام المقبلة خطوات جريئة مثل هذه الإقالة التي كنّا نتخيلها كرؤية مستقبلية قد نقضي أعمارنا قبل أن نكون شهوداً
عليها.