يعقوب يوسف جبر
سيادة أية دولة تعد من أهم مرتكزات وجودها وتقدمها وتطورها في جميع المجالات ، لكن لو افترضنا ان دولة ما لا تملك السيادة فإنها ستظل في عداد الدول المتخلفة لأن مصيرها مرهون بيد غيرها من الدول ، لكن هل من حق دولة ما ان تتدخل في شؤون غيرها من الدول سالبة سيادتها تحت ذرائع شتى لا تتطابق مع قواعد القانون الدولي
العام ؟
نجد أن ميثاق الأمم المتحدة قد نص على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول في المادة الثانية فقرة سبعة (2/7). وأيضا هنالك مجموعة من الإعلانات التي صدرت من الجمعية العامة في هذا الشأن، وهي إعلان عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها الصادر بتاريخ 21 كانون الأول 1965 ،بالإضافة الى إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول الصادر بتاريخ 24 تشرين الاول 1970 .
إن التفريط بالسيادة العراقية هو السبب الأساس في اضطراب التجربة الديمقراطية في العراق ، كما أن تضارب المصالح الإقليمية بين دول المنطقة في العراق كان ولا يزال عاملا سلبيا في عدم استقرار البلاد ، وعدم بلوغ النظام السياسي مستوى النضج ، وظهور الصراعات الطائفية وانتشار الفساد المالي والإداري ، من هنا تمس الحاجة إلى مراجعة فاحصة من قبل القائمين على إدارة شؤون الدولة للتجربة الماضية ، للتعرف على الأخطاء التي صاحبتها ، المتمثلة بالسماح للدول بالتدخل في شؤون العراق بشكل سافر ، والسؤال الذي يطرح نفسه من قبل الرأي العام العراقي هو هل تسمح دول المنطقة للعراق أن يتدخل في شؤونها؟ فلماذا تسمح لنفسها بالتدخل في شؤونه؟ أليس هذا التدخل هو مخالفة صارخة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة؟ ليس من الخطأ إقامة علاقات حسن جوار مع دول المنطقة مبنية على مبدأ المعاملة بالمثل ، أو مبنية على معاهدات لتبادل المصالح بشكل متوازن ، لكن عندما تبرم المعاهدات على أساس القوي والضعيف فهي صورة من صور التدخل في شؤون الدولة الضعيفة إذا شاء قادتها إسباغ طابع الضعف عليها عبر التنازل للدول الأطراف في المعاهدة، أما لو أبرمت المعاهدة بين العراق وغيره من الدول على أساس حماية المصالح العراقية العليا فمعنى ذلك تحصين السيادة العراقية والحفاظ
عليها .
لقد مر العراق بتجربة سياسية لأكثر من ست عشرة سنة كانت مليئة بالإخفاقات بسبب الانقسام الداخلي الذي قابله الصراع الدولي والإقليمي الذي انعكس وينعكس سلبا على التركيبة السياسية وحتى الاجتماعية الوطنية مما خلف آثارا سلبية على الواقع السياسي الداخلي ، متمثلة بضعف سيادته وهشاشتها حتى بلغ الأمر حدا لا يطاق حين يتم رسم سياساته حسب الأجندات الخارجية وليس حسب مصالحه الوطنية ، فنتيجة لذلك لم تنجح هذه التجربة ولم تتقدم ، فهل معنى ذلك ان الدولة العراقية تظل رهينة الإرادات الخارجية ؟ وما هو الحل؟ يكمن الحل في توحيد الصف الداخلي وترتيب الاوراق من جديد ، عبر التفاوض لإبرام معاهدات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من قبل الحكومة العراقية وبإسناد من قبل مجلس النواب والسلطة القضائية العليا مع دول الجوار لتحديد حدود السيادة الوطنية بالاستناد إلى ميثاق الأمم المتحدة باعتبار أن العراق هو دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة لها سيادتها الكاملة ولها الحق في إبرام معاهدات حماية السيادة وصيانة المصالح الوطنية ، شرط أن يتمتع المفاوض العراقي بالمكانة القانونية في مجال التفاوض الدولي لكي يتمكن من الاتفاق مع الطرف الآخر على وضع بنود معاهدة ترتكز على التوازن في المصالح .
إن ثمة ترابطا بين حماية السيادة الوطنية من جهة والمعاهدات الدولية المتوازنة من جهة أخرى فلو افترضنا أن هذه المعاهدات فيها غبن للعراق فمعنى ذلك انتقاص لسيادته ، أما لو كانت تلكم المعاهدات متوازنة في النص على الحقوق والالتزامات فمعنى ذلك أن السيادة الوطنية ستكون كاملة ومحمية . لذلك يجدر بقادة البلد أخذ هذه المبادئ بنظر الاعتبار لو شاؤوا أن يبلغ العراق مستوى الاستقرار في المجالات كافة وان يتمتع بسيادته التي تعد حقا دوليا قانونيا له بموجب ميثاق الأمم
المتحدة .