إيذاناً بشهر محرم الحرام العتبة الحسينيَّة المقدّسة تستبدل الراية الحمراء بالسوداء

ريبورتاج 2022/07/28
...

   سعاد البياتي 
كما في كل عام الأول من محرم الحرام، يحيي المسلمون عشية هذا التاريخ ذكرى أيام عاشوراء، وما جرى على ابن بنت رسول الله وأهله في العاشر منه في ملحمة الطف الخالدة، وستحتشد جموع المعزين في الصحن الحسيني الشريف لأداء شعيرة عقائدية سائدة كل عام في تبديل راية الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) من اللون الأحمر إلى الأسود، ايماناً وايذاناً ببدء موسم الحزن والعزاء لآل بيت المصطفى باستشهاد أبي عبد الله وأهل بيته وصحبه.
ولم يقتصر العزاء وتبديل الراية على الحرم الحسيني، بل يحيي أغلب مساجد ومراقد الائمة عليهم السلام بالوقت نفسه لترفع آيات استقبال عاشوراء، واستذكار تلك القضية التي باتت حاضرة في كل عام.
تسود في الحرم الحسيني أجواء من الحزن والاسى وترتفع أكف الدعاء، وتشهد مناسبة تغيير الراية حضور شخصيات دينية ورسمية وحشداً كبيراً من المؤمنين، الذين يتواجدون في كربلاء بالقرب من ضريح سيد الشهداء (عليه السلام)، وجمع غفير من المؤمنين والمعزين بذلك المصاب، فضلا عن القاء كلمات التعزية والمرثيات والاهازيج المرتبطة بالمناسبة الأليمة، اذ يعج الصحن الشريف بمئات المعزين الذين حضروا من داخل العراق وخارجه احياءً للمناسبة الأليمة . 
 
تقليد سنوي
نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الدكتورعلاء الدين ضياء الدين قال لـ(الصباح) في معرض الحديث عن مناسبة تبديل الراية من أنها "تقليد سنوي تبنته العتبة المشرفة في الأول من محرم ليكون رمزاً لبدء شهر التعزية باستشهاد أبي عبد الله في أعظم ملحمة وثورة ضد الكفر والضلالة، ومن هنا ومن هذا التاريخ نؤكد أهمية الشعائر الحسينية وإحيائها لأنها امتداد تاريخي كبير، ولكي يتعرف عليها الأجيال المقبلة، فقضية الحسين ليست عابرة إنما هي تراث واحداث عظيمة لا يمكن تجاهلها".
فاستبدال الراية الحمراء بأخرى سوداء على قبة ضريح الحسين (عليه السلام) تعني الكثير من الدلالات الرمزية والعقائدية، إذ تشير إلى الحزن على ما جرى لأبي عبد الله واهل بيته في ملحمة الطف الخالدة، وهي ذكرى انتفاضة الأحرار ضد الظلم والطغيان، فشهادة ابي عبد الله (عليها السلام) صرخة بوجه الفساد والظالمين في كل مكان، ولايمكن بأي حال أن تنسى البشرية مظلوميته في واقعة الطف العظيمة.
 
قيمة شعائريَّة
وأكد ضياء الدين أن العتبة الحسينية المشرفة أعدت لهذه المناسبة جميع مستلزمات نجاحها انبثاقاً من قيمتها الشعائرية، لا سيما وهي تستقبل الاعداد الكبيرة من المعزين والمواليين في كل عام، ولاهمية المناسبة لا بد من وضع الخطط والبرامج لتكون بمستوى تاريخها العقائدي.
ونوه ايضاً بأنه، في هذه المناسبة والحدث الكبير، تبدأ أولا بالاعلان عن موعد تبديل الراية الكريمة وتبث اصواتها وكلماتها حول الذكرى الأليمة لابلاغ المستمعين عن هذا الموعد، لتكون مجريات الحدث مباشرة من داخل الصحن الشريف لجميع انحاء العالم، بعدها تتهيأ لتقديم برامج كاملة عن عاشوراء، سواء لقاءات وحوارات مع شخصيات دينية واكاديمية تتحدث عن واقعة الطف ومجرياتها، وكذلك تطبيق نظام التوليف الصوتي لاحداث القضية وما حدث لاهل بيت النبوة في يوم العاشر من محرم، مبينا انه، في كل عام تضع اذاعة الروضة امكانياتها من توفير الصوت لجميع وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الارسال لكل القنوات التي تحتاج لصوت  الحدث المهم  لتبديل راية ابي عبد الله، ليتعرفوا على مدى وحشية اعداء اهل البيت، ولإيصال صوت الامام الحسين لكل انحاء العالم.
 
ارتباط روحي
المسؤول عن تبديل راية الامام الحسين الى مراقي قبته الشريفة الحاج فاضل عوز، الذي اعتاد على رفعها كل عام بالقول: اعتادت العتبة الحسينية المشرفة بإقامة شعيرة تعدُّ من شعائر شهر محرم وما جرى فيه على اهل بيت النبوة من مآسٍ، على تبديل الراية الحمراء ذات الدلالة التاريخية الكبيرة، اذ تقول بأن الشهيد لم يأخذ بثأره بعد من قبل الواعد لها بالثأر، ألا وهو امام زماننا (عج)، فلذا نرى الجميع يصرخ بنداء يا لثارات الحسين بالراية السوداء، إيذانا بقدوم ذكرى شهادته وقدوم شهر الحزن والمصائب بوضع مراسيم خاصة لهذه المناسبة، وعلى اثر ذلك فقد تمَّ تشكيل لجان مختصة لغرض الاستعداد، 
وتهيئة المستلزمات المطلوبة لاحيائها، وبدأ العمل بها منذ العام 2004 وأصبحت مناسبة كبيرة يقصدها المحبون والموالون من مختلف محافظات العراق ومن 
الدول العربية والاجنبية التي تأتي للمشاركة فيها. 
ولرفع هذه الراية بين عوز دلالة عقائدية وارتباط ديني وروحي على فاجعة الطف، وعلى مصائب اهل البيت في هذا الشهر. وقد تشرفت وفي كل عام  بتبديل راية الامام الحسين منذ بداية العمل بهذه المراسيم، وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى ونعمة كبيرة أنعم بها علينا، فحينما أرتقي السلم إلى أعالي القبة الشريفة حاملاً الراية السوداء، أشعر بالحزن ممزوجاً بالفخر وينتابني البكاء على تلك الأحداث العظيمة والمؤلمة، التي جرت في هذا الشهر الحزين على الحسين وأهله وصحبه، وهم في رمضاء كربلاء غرباء لا ناصر لهم ولا معين.
مسترسلاً من أن هناك آلية ستنفذها كوادر العتبة لتوفير انسيابية لتسهيل حركة الزائرين في داخل وخارج الحرم الحسيني المطهر، ومنطقة بين الحرمين الشريفين لاكتظاظها بالزائرين في هذا اليوم، كما أن الشاشات الموزعة خارج الصحن الشريف ستقوم بنقل وقائع تبديل الراية المباركة والبث المباشر واللقاء بشخصيات دينية واجتماعية للحديث عن الذكرى الأليمة.  
 
عمل مبارك
اما وحدة الخياطة والتطريز التابعة لقسم الصيانة في العتبة الحسينية الشريفة، فقد كانت سبّاقة ومتلهفة لخياطة الراية بتفاصيلها الكبيرة والمشرفة، وهم يعملون بفخر واهتمام لانجازها بالشكل الذي يليق بقبة سيد الشهداء، حسب ما تحدث بذلك محمد علي مسؤول على خياطة الراية المقدسة. مبيناً بأن "الراية تمر بمراحل متعددة من العمل ابتداءً من التفصيل والتطريز والخياطة والكوي، وعملها رغم بساطته إلا أنه يشعر بالفخر والاعتزاز بذلك، واصفاً شعوره بأنه غاية في التوفيق مع مجموعة من العاملين فيها، الذين يتباركون بخياطة الراية وتطريزها والتي سترفرف في اعالي قبة سيد الشهداء (عليه السلام)". 
وبين ايضاً أن "الراية تصنع من أفخر أنواع الاقمشة من الستان الفاخر، وقد حصلت الموافقات لاستيراد قماش الراية من مناشئ عالمية تليق بالقبة الشريفة،  ويكتب في وسطها كلمة "يا حسين" باللون الاحمر وبالخط الكوفي الفاطمي، ومن خيوط الحرير وبقياس ثابت 3 × 3 + 80، والعمل يتم قبل شهر تقريبا من رفعها، ومنذ البدء بخياطتها وتطريزها نشعر بالفخر والشرف، ونحن نلمس تلك الراية المشرفة وهذا توفيق إلهي وعمل مبارك".
وتهدى الرايات على مدار الاعوام المستبدلة فيها الى الأضرحة والمساجد 
والمستشفيات ولجميع انحاء العالم الاسلامي، والى الوفود للتبرك بها، كما تهدى أيضا 
إلى الفائزين في المسابقات المتعددة، التي تقيمها العتبة الحسينية المقدسة في المناسبات الدينية والمهرجانات، ايمانا منها بدورها في رفع الروح المعنوية ولأنها تحمل قيمة عليا.