سعد العبيدي
لقد اختلف الصديقان، الطرفان الرئيسيان لحركة ١٤ تموز عام ١٩٥٨، الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف، واندفعا بسبب هذا الاختلاف الشخصي المغلف ببعض الجذور الفكرية، ليكوّنا فريقين متصارعين، فيه الأول أي عبد الكريم يسارياً والثاني عبد السلام قومياً متديناً، ولغرض الاستقواء وتأكيد الذات صارا يتصلان بالضباط القادة والآمرين، فكون اتصالهم هذا نوعاً من التكتل والتناحر بين مستويات الضباط خاصة القادة على وجه التقريب.
ان مشاعر وتوجهات الاستقواء والرغبة في السيطرة لم تتوقف عند حدود الثكنة العسكرية، إذ سار البعض من الضباط للاتصال بالأحزاب السياسية، كما ان الأحزاب كجهات سياسية أيديولوجية منظمة جيداً، وجدت في هذه الأجواء باباً مفتوحة للتواصل مع الضباط وتنظيمهم حزبياً، فاسهموا معاً في عملية تكتيل مُسَيّس، كان له النصيب الأكبر في التهديم المنظم لبنية القوات المسلحة، وجر العراق بالتدريج الى حافات الخراب الثوري شبه المنظم.
لقد استمر التناحر والصراع والاستقواء طوال فترة الرئاسة الاولى لعبد الكريم قاسم بطريقة، فتحت شهية القوات المسلحة الى مزيد من محاولات التآمر والانقلاب المخلة ببنية القوات المسلحة، التزاماً وضبطاً ووطنية. ودفعت في ذات الوقت القادة العسكريين الكبار باتجاه السعي لقيادة شؤون السياسة، وتكرار محاولات الانقلاب، والشعور بالقلق من فقدان الجاه والسلطة والتوجه الى البقاء في قيافة العسكر، ومن ثم السعي الى ادارة ومراقبة الدوائر الحكومية المهمة، وعسكرة بعضها، عسكرةٌ قللت من قيمة القيادة العسكرية، وأسهمت في ايجاد المزيد من عوامل الهدم لبنيتها التنظيمية، حيث التدخل غير المبرر في جميع مفاصل القرار.
يضاف اليها مجاهرة العسكريين القريبين من الزعيم عبد الكريم، بميولهم السياسية اليسارية مثل العميد الركن طه الشيخ أحمد مدير التخطيط، والعقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب والمقدم وصفي طاهر، المرافق الاقدم للزعيم والعميد الطيار الركن جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية، والعميد عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري، التي اطلقت مجاهرتهم حمى التسابق مع الاحزاب الأخرى القومية على وجه الخصوص، للنفاذ الى المؤسسة العسكرية، فولدت بالنتيجة:
عتباً عدائياً للمجتمع على المؤسسة العسكرية.
خسارة هذه المؤسسة الوطنية دعم المجتمع النفسي المطلق لوجودها. وفي نهاية المطاف وسعت من وجود التنظيم الحزبي البعثي ذي الاتجاهات القومية في صفوف القوات المسلحة بقوة ودعم غير مسبوقين ليقود الصفحة الثانية من تدمير شبه منظم لبنى الجيش والقوات المسلحة، حتى أمكن القول أن وجوده الواسع في هذه المؤسسة وقيادته لها الى التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ قد وضع العراق في دوامات اضطراب سياسي مجتمعي سوف لن يخرج منها، كما كان في سابق عهده.