جائزة الإبداع .. غيابٌ للضوابط والمعايير

ثقافة 2019/04/05
...

د.عواطف نعيم 
يجتهد الفنان والمثقف وينجز ويشكل هذا الانجاز اضافة الى تاريخ الابداع العراقي ويعكس حجم الثراء والغنى في تلك الآثار من نصوص وعروض مسرحية الى مطبوعات للقصيدة والقصص والرواية وللموسيقى والاغاني وللفن التشكيلي بتجلياته المختلفة، ويحلم المبدع صاحب المنجز أن يكون لذاك الذي أنجزه ونضجه ومنحه خلاصة روحه وفكره تأثيرا يتمثل في إشادة وتقييم لما أفضت اليه مخيلته وتوقد ذاكرته وتوق روحه من أثر حط رحاله بين المتلقين قرّاءً كانوا أم مشاهدين، أصحاب رأي  واختصاص أم متابعين وباحثين عن متعة فكرية ورؤية بصرية وأدائية متميزة، وحين جاءت جائزة وزارة الثقافة وتم الاعلان عنها استبشر أصحاب المنجز الابداعي خيرا فقد آن الاوان لكي يثّمن ويقيّم الابداع ويمنح حقه في التكريم والاعلان، ولكن قبل أن نبدأ بوضع النقاط على الحروف التي إلتبست وتشتَّتْ، ولكي لا ينبري  لنا متحذلق، نقول: نحن نبارك لكل من فاز وتميّز في هذه الدورة التي أعلن عن الفائزين فيها للعام 2019 لأنّهم عراقيون ولأنّهم أصحاب منجز ومشروع، ولأنّ هذا هو حقهم في وطنهم، لكن الامانة تقتضي منا التوقف لمناقشة مستقبل هذه الجائزة التي زاد سقفها المادي وانفجر وخفتت ضوابطها ومعاييرها واندثرت!.
كيف يتم حصر منح الجائزة في لون من الالوان دون غيره؟، كيف تكون لجنة التحكيم؟، وما هي ثوابتها ومعايير اختيارها؟، لماذا تبقى اللجنة العليا محصورة بأسماء تدور داخلها ولا تنفتح على أسماء غيرها؟، لماذا أسماء هذه اللجان ينحصر مجيئها من كلية الفنون الجميلة واتحاد الادباء؟، مع إغفال لاسماء وشخصيات في دائرة السينما والمسرح وفنانين وشخصيات ذات حضور ومنجز على الساحة الفنية والثقافية في العراق، لكنها بعيدة عن تلك التسميات وجلّهم أيضا من حملة الشهادات العليا اذا كانت الشهادة العليا شرطا وضرورة للمشاركة في التقييم بعيدا عن صاحب الوعي والتخصص والتواصل ممن يحمل شهادة البكالوريوس!.
ثم يحق لنا أن نسأل ما هي الضوابط والمعايير المعتمدة في الاختيار والتقييم؟، ومن الذي وضعها وثبّتها مقدّسة؟، لأن جائزة التمثيل المسرحي (سأتكلّم باختصاصي) تفترض وجود ممثلين رجل وامرأة، فكيف تمنح الجائزة لامرأة فقط ويهمل الرجل سواء كان في ذات العمل أو تميز في عمل غيره؟، أم  كان العرض المقدم مونودراما؟، وكم كان عدد المتقدمين لتلك الجائزة في ذات العام او الذي سبقه؟، واذا كانت جائزة الإخراج تمنح لمخرج واحد فقط عن موسم ما، فكم كان عدد المتقدمين لتلك الجائزة من المخرجين في المسرح العراقي ممن يشتغلون لمسرح الكبار ومسرح الطفل؟، أم أن الإخراج حصرا بمسرح الكبار مع التغافل عن وجود مسرح للطفل يحتاج الى مخرج متفرّد ليلج عوالمه ويقدمها بثوب الدهشة والابهار؟، ومن حقنا ما دمنا فتحنا ملف جائزة الابداع أن نسأل هل أن التأليف المسرحي يعني النص المنشور أم النص المشغول والمقدم على خشبات المسارح العراقية؟، وهل أن النص المسرحي هو حصرا على النص الناطق بالفصحى أم النص الشعبي؟، وهل لا وجود لنص يتعلق بالطفل أم أن الكتابة لمسرح الطفل مستبعدة ولا تحسب؟، هناك غياب حقيقي للمعايير والضوابط أو إلتفاف عليها، فاذا كانت الجائزة حصرا باساتذة كلية الفنون الجميلة في التقييم فَلْتُسَمَّ باسم الكلية أو فَلْتُسَمَّ باسم اتحاد الادباء ويرفع عنها اسم وزارة الثقافة والذي يعني الانفتاح على كل المبدعين العراقيين وأصحاب المنجز والتواصل الفاعل سواء كانوا محكمين ومقيمين أو متقدمين لتلك الجائزة، لاترفعوا السقف المادي للجائزة وتغفلون الضوابط وأفتحوا الجائزة على فئات واصناف في الثقافة والفنون، يبدو أنّها غابت عنكم، وتذكروا أن التمثيل السينمائي هو غير التمثيل المسرحي، وأن كتابة النص المسرحي المنشور هو غير كتابة النص المسرحي المقدم على الخشبة، وأن الاخراج المسرحي هو غير الاخراج السينمائي وغير الاخراج التلفازي، وأن تأليف المقطوعة الموسيقية هو غير تأليف الاغنية، وأن في الفن التشكيلي زوايا وجوانب وخصوصية في اللوحة وطبيعتها، وأن القصيدة الشعرية العمودية هي غير القصيدة التي تعتمد النثر وقد تكون قصيدة النثر أكثر غنى من القصيدة العمودية، وكذلك الحال في فروقات وتقاربات القصة والرواية في الاسلوب والفكرة والهدف، أنصفوا جوائز الابداع ودعوها بعيدا عن الاخوانيات والمجاملة.
 مبروك ثانية. ونقول للقائمين على وزارة الثقافة كيلوا بروح المتخصص المحايد الذي ينتمي للابداع الفكري والجمالي.