ترامب والجولان والشرق الكبير

آراء 2019/04/05
...

محمد شريف أبو ميسم 
ليس هناك رسالة أوضح من الرسالة التي أرسلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى العرب والمسلمين مؤخراً، بعد التوقيع على قرار يعترف من خلاله بسيادة الكيان الإسرائيلي على مرتفعات الجولان
 السوريَّة.
فهذا الرئيس الذي نقل السفارة الأميركيَّة في الرابع عشر من أيار 2018 من تل أبيب الى القدس في خطوة لم يتجرأ عليها أي رئيس أميركي سابق برغم الضغوط والإغراءات التي مارستها منظمات الدعم الصهيونيَّة، وجد في ردات الفعل العربيَّة والإسلاميَّة محض تلويحات إعلاميَّة لذر الرماد في عيون التاريخ، فأراد أنْ يقول “تاريخكم لكم، والمستقبل يرسمه الأقوياء، وما المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة إلا جهات تسويقيَّة نوظفها متى ما شئنا لبيع 
بضاعتنا”.
فحين تكون قرارات الأمم المتحدة ملزمة للضعفاء ومحض دعابة للأقوياء، تكون التصريحات والدعوات الدولية والعربية للالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 497 لعام 1981 الذي أشار إلى عدم الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري في العام 1981 بعد احتلالها في حرب حزيران عام 1967 محض ثرثرة في زمن 
اقتصاد المعرفة. من هذا المنطلق نتساءل، ما الذي سيحققه ترامب من هذه القرارات التي تؤسس وبكل وضوح لواقع دولي واقليمي جديد؟، 
انه مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي لا يبدو للولايات المتحدة من سبيل في تحقيقه على أرض الواقع ما لم يتحقق 
وجود اسرائيل الكبرى على أرض الميعاد بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تدفق الرساميل الاسرائيلية تحت مسميات مختلفة، إذ إنَّ سلسلة الأحداث التي ضربت المنطقة منذ نحو ستة عشر عاماً، والتي كلفت الولايات المتحدة الأميركية نحو سبعة ترليونات دولار بشهادة ترامب نفسه، هي الشاهد التاريخي على ما ستؤول اليه المعطيات، فسوريا المنهكة من هول المؤامرة التي تعرضت لها غير قادرة على خوض حرب لاسترجاع الجولان وهي في أضعف حالاتها، وجبهة المقاومة محاصرة من الداخل الاقليمي الذي تقود كياناته حكومات ضالعة في مشروع صفقة القرن، ونقول كياناته لأنَّ حدود هذه الدول الإقليمية مرشحة للزوال في اطار عولمة اقتصادية وثقافية وسياسية في صفقة القرن التي بدأت بمشروع “نيوم”، من خلال نقل الصناعة من الشمال المتخم بالملوثات البيئية والالتزامات الضريبية العالية الى الجنوب الزاخر بالمواد الخام ومصادر الطاقة والأيدي العاملة الرخيصة والاسواق، اختزالاً لحلقات النقل وهروباً من كلف الانتاج العالية والقوانين البيئية الصارمة، تمهيداً لاقامة النظام العالمي الجديد القائم على منهج الليبرالية الجديدة الداعية لمزيد من الحرية لسلطة المال في ادارة 
شؤون العالم. 
وعلى هذا فإنَّ للكيان الاسرائيلي (الذي تحتضن وجوده رساميل الشركات التي تحكم العالم وفي مقدمتها رساميل “عائلة روتشيلد الصهيونية” التي تتحكم بنصف موارد هذا الكوكب) شروطاً للقبول بالمشروع الأميركي في الشرق الأوسط، وفي مقدمة هذه الشروط تحقيق حلم اليمين الاسرائيلي المتطرف في اقامة دولته الكبرى في سياق الصفقة التي ستديرها رساميل شركات العولمة ومن خلفها لجنة الشؤون الاسرائيلية الأميركية “الأيباك” التي تدير مؤسسات صنع القرار الأميركي. 
إنها حدوتة بحت بها ومن خلالها أصوات الذين علقت على رقابهم تهمة الإصابة بعقدة “نظرية المؤامرة” بعد تسطيح العقل وخضوعه لغيبوبة الوعي في ظل عولمة ثقافيَّة نالت من الإرادة الجمعيَّة وصنعت أجيالاً منشغلة بلعبة “البوبجي”.