كلنا نحاربُ التطرف والكراهيَّة والعنف وما أنتجه من شرور ومهالك في كل المجتمعات حتى تلك التي لم تكن تخطر على البال مثلما حصل في نيوزيلندا مؤخراً. حين أقول كلنا أقصد الحكومات والنخب ومراكز الأبحاث ورجال الدين من كل الأديان والطوائف والمذاهب. المفارقة اللافتة إنَّ الأمر نفسه يكادُ ينطبقُ على صعيد محاربة الفساد أو مكافحة الإرهاب. ولأننا نتفق جميعاً أنَّ الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة فإنَّ مما نتفق بشأنه جميعنا “شلع قلع” أنَّ الإرهاب لا دين له, أما الفساد فأستطيع القول إنه لا مذهب له.
لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا أو في أي مكانٍ آخر هو.. ما هي مخرجات محاربة أو مكافحة الإرهاب والتطرف وتالياً الفساد؟ الأرقام والوقائع هي التي تنطبقُ على كل هذه الصعد والمجالات سواء في بلدنا أو في كل أنحاء العالم. على صعيد الفساد بوصفه البيئة المثالية لنمو كل أشكال الانحراف المجتمعي والسلوكي يكاد يكون بلدنا في مقدمة البلدان التي لم تتمكن من محاربة الفساد على نحوٍ قادرٍ على الإطاحة به. أو على الأقل التقليلُ من مخاطره على السلم المجتمعي والأهلي، فضلاً عن بناء المؤسسات الفاعلة خصوصاً في ميادين الصحة والتعليم والبحث العلمي، فضلاً عن التنمية المستدامة.
التقارير التي تصدرُ عن المؤسسات الدولية ليست في صالحنا على صعيد محاربة الفساد. لكنْ في المقابل نستطيع القول إننا نجحنا على صعيد محاربة الإرهاب. فتنظيم داعش الإرهابي الذي لفظ أنفاس وجوده العسكري الأخيرة في منطقة الباغوز في سوريا بدأت هزيمته الكبرى في العراق أواخر العام 2017.
لكنْ لنعترف أنَّ قضية التطرف لا تزال وربما ستبقى هي الشغل الشاغل للأنظمة والدول والشعوب لفترات زمنية قادمة. فالتطرف ومنه التطرف الديني قادَ الى سلسلة من أنواع التطرف السلوكي والقيمي بدأت تنخر في جسد المجتمعات من خلال الانتشار الكثيف لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. لذلك باتت تأتي مطالبات رجال الدين بأهمية أنْ تتولى الدول والحكومات مسؤولياتها في الحد من الانهيارات السلوكيَّة والقيميَّة والأخلاقيَّة.
ومع أنَّ العديد من الدول وضعت ضوابط بشأن كيفيَّة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وقسمٌ منها ضوابط مشددة تشبه الغلق فإنها لم تنفع في الحد من التطرف والكراهية والعنف ربما من باب “كل ممنوع مرغوب”. وبالتالي فإنه في حال بقيت كل جهة تلقي اللوم على الجهة الأخرى. أي أنَّ رجال الدين يحملون الحكومات مسؤولية تفشي التسيب المجتمعي وما يترتب عليه من آثار كارثية, أو تحمل الحكومات رجال الدين كامل المسؤولية فإنَّ المتضرر في النهاية هو المجتمع كله. وإذا كانت مسؤولية الدولة هي في إنفاذ القانون على صعيد الجرائم والمخالفات فإنَّ مسؤولية رجال الدين مضاعفة على صعيد كيفية الحفاظ على سلامة المجتمع. فهناك رجال دين مهمتهم زرع الكراهية وبذر التطرف لا العكس. بينما هناك رجال دين آخرون مهمتهم نزع فتيل ما ينجم عما يزرعه زملاؤهم، سواء كانوا من نفس الدين أو نفس المذهب.
المجتمع في النهاية هو الخاسر الأكبر بعد أنْ فشلت كل أنواع الحوارات من الأديان الى الحضارات الى المذاهب طالما كل طرف يرى نفسه صواباً لا يحتملُ الخطأ وسواه خطأ لا يحتمل الصواب.