يعد شهر اذار من اشهر السنة المميزة، لان اغلب ايامه تشتمل على مناسبات عالمية مهمة ، بعضها نحتفي ونحتفل به ونوليه اهتماما استثنائيا ، وبعضه الاخر يمر مرور الكرام من دون استذكار، او حتى سؤال عن قيمة ومعنى هذه المناسبة ، وذلك حسب ملامسة هذه المناسبة او تلك لمشاعرنا او توجهاتنا او متبنياتنا الفكرية والعقدية ، ولعل واحدة من المناسبات التي اجدها مهمة ، الا انها لا تحظى باي اهتمام ، لا على المستوى الرسمي ولا الشعبي، هي مناسبة اليوم العالمي لمتلازمة داون، التي اختارت لها الامم المتحدة يوم 21 اذار يوما عالميا للتفاعل مع هؤلاء الاشخاص الذين بات عددهم يتزايد بنحو واضح في جميع انحاء العالم ، ربما لاسباب بيئية او صحية او وراثية .. الخ .
اللافت للنظر ان الكثير من البلدان تولي هذا اليوم اهتماما ملحوظا في اطار سياسة الاندماج المجتمعي والسعي لتوفير متطلبات العيش الكريم لمصابي “متلازمة داون” او ما يُسمون عندنا “المنغوليون” ، لانهم في نهاية المطاف بشر مثلنا ينبغي ان يعيشوا حياتهم كما نعيشها نحن الاسوياء..
وفي الوقت الذي اطلقت الامم المتحدة شعارا للاحتفاء بهذا الشريحة في عام 2019 (لا تترك احدا خلفك) الذي يأتي منسجما تماما مع اهداف اجندة التنمية المستدامة المتبناة عالميا ، الا اننا لانجد ذلك الاهتمام وتلك الرعاية بهذه الشريحة التي يعد افرادها من اودع الناس واكثرهم حبا للحياة ،
لا، بل يعدون من صنّاع الحياة ، انما على العكس من ذلك ، فهم غالبا ما يواجهون جفاء وقسوة مفرطة من قبل المجتمع، الذي يتعامل معهم بسخرية ولا مبالاة ، وعندما يرى الناس “منغوليا” على حد وصفهم القاسي ، يتخذونه سخريا، من دون ان يدركوا او يعلموا انه ليس سوى بشر مثلهم يحمل من المشاعر والاحاسيس البيضاء من غير سوء مايغطي على سوء سلوك المجتمع ازائه، ومما زاد من هذا السلوك الاجتماعي السلبي ، البعض من وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، وحتى البعض من المثقفين والنخبة ، اذ لطالما سخروا من شريحة “متلازمة داون”، فان ارادوا الاساءة لشخص او النيل منه قالوا له “منغولي” وكأنها سبّة ، فيما تذهب بعض القنوات الفضائية الى اقصى مديات الاساءة عندما تحاول من خلال برامجها الساخرة سوق سيل من النكات الفجّة بحق هؤلاء
الانقياء .
اما على المستوى الحكومي ، فحال المصابين بمتلازمة داون ، يُرثى له ، اذ مازالت معاهدهم ومدارسهم الخاصة تعاني الاهمال وعدم توفير المتطلبات الاساسية التي يمكن من خلالها ان نكتشف خبرات ومهارات هذه الشريحة من الناس.
وقد قرأت وشاهدت الكثير من حالات التميز في عدد من البلدان بعد ان تم احتضانهم ودعمهم بجميع انواع الدعم ... لذلك اقول ، ان الاشخاص المصابين بـ “متلازمة داون” ، بحاجة ماسة الى الاهتمام بهم ، وهذا الاهتمام يتجسد عبر انشاء معاهد ومدارس متميزة قادرة على تفجير طاقاتهم الكامنة وامكاناتهم، بعد ان اثبتت تجارب دول اخرى انهم يمتلكون القدرة على الاندماج مع المجتمع بنحو مبهر، وعلى المجتمع ايضا، ان يتجرد من قسوته المفرطة ازاءهم، وهنا يأتي دور وسائل الاعلام في رفع منسوب الوعي عند الناس وتبصيرهم بضرورة التعامل الايجابي معهم ، ومنظمات المجتمع المدني هي الاخرى معنية ومدعوة لدعم هذه الشريحة الاجتماعية ، على الاقل من خلال استذكار اليوم العالمي لمتلازمة داون الذي يصادف يوم 21 اذار من كل عام .