بغداد: غيداء البياتي
تصوير: رغيب اموري
جاءت أمنيات مجموعة من البسطاء لتعلن حربا على الهزيمة، ويقينا بتحقيق أحلام ولو مؤجلة، ليفرح الأبناء بما عجز عن التمتع به الآباء، الذين خذلتهم السنين، وأثخنت جراحهم تقلباتها، وأضافت عليهم مكابدات العيش هماً على همومهم، لكنهم ما زالوا على أمل أن يروا النور في نهاية النفق، لتحقيق امنياتهم المتواضعة، وهي من أساسيات الحياة التي تعيشها الشعوب في جميع أنحاء العالم، يسودها الهاجس الأمني الأكثر تأثيرا في نفسية المواطن العراقي.
امرأة مسنّة يبدو على محياها القلق على حفيدها الذي سيتخرج من كلية القانون، ليرى نفسه دون عمل أو وظيفة تؤهله للزواج، وتكوين أسرة، هذا ما قالته الحاجة أم قحطان وهي تتنفس الصعداء لتتمنى لكل شباب وشابات العراق السعادة والراحة والرزق، وتناشد الحكومة وكل من يهمه أمر أبناء الوطن أن يوفروا فرصاً للعمل لهم، لأنهم دعامة الوطن وباستقرارهم يستقر، ومن بدونهم لا يمكن أن تعاد لتلك الأرض عزتها وهيبتها على حد قولها».
الكاهن في الكنيسة الكلدانية كنيسة انتقال مريم العذراء الأب بشار تمنّى أن يعمَّ السلام ربوع العراق وأن يحفظ الرب جميع أطياف الشعب العراقي، بغض النظر عن القومية أو الدين ثم قال «أمنيتي الخاصة هي العيش بسلام في بلدنا الحبيب»، وكانت للشماسة الهام عبد الأحد امنياتها للعام 2023 فقالت «أتمنى أن توفر الحكومة الخدمات لمواطنيها وللبلد والتعيينات لا سيما للمكون المسيحي، الذي عانى من الغبن، وأتمنى أن تكون عائلتي بخير وأن أبقى أخدم مذبح الكنيسة بكل إخلاص وأرى أولاد اخي الشهيد في وظيفة تليق بهم».
على أجنحة طيور النورس العاشقة لجسر الجادرية أرسلت أديان الوكيل (17) عاما بأن ترى العراق اكثر أمنا وتطورا، أما الخاصة فتقول أديان وهي مبتسمة «أتمنى النجاح والتخرج من السادس الاعدادي بمعدل عالٍ، يمكنني من تحقيق حلمي بأن أكون صيدلانية». بينما تنوعت أمنيات زميلتها آية حيدر وظلّت أفكارها تدور في فلك المفردات اليومية حتى تيقنت بأنها ترنو إلى النجاح وتقول؛ ماذا عسانا ان نتمنى في هذه الايام سوى السلام والامان والنجاح لكل ابناء الشعب، وعفو الله عنا ليبلغنا جنته، وانا في هذا العام أودعت لله حاجتي وجل قلبي عسى ربي ان يحققها لي «.
العيش الرغيد
اختلفت الأمنيات الخاصة وتنوعت المشاهد في سوق باب المعظم المكتظ بالمتبضعين والباعة المتجولين، وتوحدت بأن يسود السلام والأمن والرخاء وطنهم وأن ينعموا بالعيش الرغيد، فهذا رجل مسن تمنّى لو كان راتبه التقاعدي يكفي لسد رمقه ورمق عائلته المتكونة من أربعة اشخاص، وآخر شاب يفترش الأرض ببعض ألعاب البالة الخاصة بالأطفال يريد تعيينا في إحدى الدوائر الحكومية، بينما طفلة ساهمة تمنت اللقاء بوالدها المهاجر إلى كندا منذ خمسة أعوام بسبب ظروف قاهرة، وغيرهم ممن تنوعت أفكارهم وامنياتهم، وظلت تدور في فلك المفردات اليومية للشواغر، التي انبثقت من بين أيديهم ومن خلفهم ومن حيث لا يحتسبون.
من بين البائعين المتجولين «العطار» ابو حسن الذي تمنى ألا يعيش أولاده كعيشته وألا يروا ما رآه من تعب وشقاء وحروب، وان يتمتعوا بعيش آمن ورغيد، بعد أن تمنى السلام لكل العالم، اما الشاب سعد عبد الله الذي اتخذ جانبا من الرصيف ليبيع ملابس «السانتا كلوز»، وبعض هدايا وزينة شجرة الميلاد للمارة قال «أمنيتي العامة هي ذاتها منذ عشرين عاما مضت وهي أن يعم الأمن والسلام والحب بلدنا الحبيب، اما الخاصة فهي شراء منزل يأويني مع عائلتي الصغيرة».
وفي أحد درابين السوق افترشت ام يوسف جانبا منه ببعض الاقمشة وماكنة للخياطة، وافصحت عما بداخلها من امنيات وهي تقوم بتقريم فستان لإحدى الزبونات، فتمنت أن يكون لديها محل صغير وماكنة للخياطة جديدة بدلا من تلك القديمة، كي تتمكن من تفصيل بعض الملابس وبيعها لتجمع في نهارها ما يسد حاجة أهلها ليلا».
الشعور بالمسؤولية
لم تكن صفحة الـ{أسرة ومجتمع } ببعيدة عن ذكر أمنيات رجال المرور، وهم يقدمون خدمتهم للمواطنين بتنظيم السير وتجنب الاختناقات المرورية ولا رجال الدفاع المدني، وهم ينقذون أرواح الناس، فقد التقت المقدم صلاح عبد الصاحب وهو يلوّح بيديه للمارة بالعبور، بعد ان أوقف سير العجلات، فكانت أمنيته هي شعور المواطنين بالمسؤولية في الحفاظ على أخلاقيات السير في الطرقات، وتجنب الوقوف في الأماكن المزدحمة، ومراعاة سير المواطنين، ثم رفع يديه للسماء وقال «أتمنى أن يكون لي منزل يلم الزوجتين معا»، ويضيف وهو مبتسم «اذا تحقق ذلك فأتمنى الاقتران بالثالثة ظلما وعدوانا من عند انفسهن».
اما المفوض سرمد كريم في قاطع مرور الاعظمية فقد وقف بكل أناقته وهيبته المرورية، ليعلن أمنياته العامة والخاصة لهذا العام فقال «أتمنى أن أرى العراق مزدهرا وأكثر تطورا وأن أرى المزيد من العناية بالشوارع والبنى التحتية والخدمات، كما أتمنى أن أرى تشييدا لجسور جديدة تخلص المواطنين من الازدحامات المرورية، أما أمنيتي الخاصة هي أن يطيل الله بعمر والديَّ وأن ينعما بالصحة والعافية».
والعقيد في مركز دفاع مدني/ الاعظمية يعرب اياد أفصح عن أمنيته كرجل اطفاء فقال «أتمنى أن يلتزم المواطن بتنفيذ متطلبات السلامة العامة والوقاية، لأن ذلك سيقلل الحوادث، وبالتالي يجنب نفسه وباقي أفراد عائلته الضرر الجسدي والمالي وهذا ما يعود علينا نحن كرجال دفاع مدني بالمردود الايجابي، كما أتمنى الخير لكل افراد المجتمع العراقي والعيش بحب وسلام».
ونحن نتجول في مناطق متعددة من بغداد الحبيبة في أواخر ايام العام 2022، لنتحرى على أمنيات البسطاء للعام الجديد، لفت انتباهنا بيت يضم تحت سقفه عدد كبير من الأيتام، وبما أن صفحتنا في صحيفتنا الغراء تجمع الامنيات من كل طيف ولون للوطن، فقد جمعت أمنيات هذه الشريحة كباقة ورد مهداة لكل من امتلك العطف والحنان، ليلتفت اليهم ويسهم في تحقيق أمنياتهم ولو بعد حين، فالطفلة نور الهدى تمنت ان تكون مهندسة معمارية، لتبني لها منزلا يأويها، بينما امير علي حلم بأن يكون ضابطا في الجيش ليحمي أرضه وعرضه والطفلة هدى محمد تمنت أن تكون يوما طبيبة اسنان، بينما قمر الزمان جبار، تمنى أن يكون ضابط تحقيق ليصل إلى من قتل والده، وغيرها كثيرة كلها أمنيات نقلتها عنهم مديرة دار النور لتربية وتأهيل الأيتام لقاء العبودي، التي اضافت إلى أمنيات أولادها أمنيتها بأن تأوي هذه الشريحة من أولادها في دار أكبر، تسعهم وأن يحفظهم الرحمن جميعا ويحقق كلَّ أمنياتهم».