الكرخي مثابة تراثيَّة سامقة

فلكلور 2023/01/05
...

   بغداد: علي ناصر الكناني 


 طلبت مرة من الباحث والمؤرخ الأستاذ سالم الآلوسي أن يحدثني عما تختزنها ذاكرته من ذكريات عن أيام بغداد وكرخها، وعن شاعر النقد اللاذع والساخر المرحوم الملا عبود الكرخي، فعلت وجهه ابتسامة شفيفة كمن أثرنا في نفسه صدى تلك الأيام الماضية، التي طواها النسيان فبادرني قائلا:

 

 كان أديبنا وشاعرنا المعروف الملا عبود الكرخي (رحمه الله) ممن سكن بكرخ بغداد، واقترن اسمه بها، على الرغم من أن أصله كان من مدينة الحلة، وينتسب إلى عشيرة (البوسلطان) المعروفة، وأصدر حينذاك صحيفة أسماها (الكرخ)، وقد ذكر فيها مرة أبياتاً من الشعر، انتقد فيها السلطة الحاكمة آنذاك، عندما أقدمت على عزل أمين العاصمة المرحوم أرشد العمري، فانتهزت الفرصة بأن أطلب منه أن يحدثني أيضاً عن وسيلة النقل، التي كانت مستخدمة في بغداد ذلك الوقت، وهي عربة الترامواي أو (الكاري)، والتي غالباً ما كان الملا عبود الكرخي يستخدمها في تنقله بين مكان عمله ومحل سكنه فقال: إن عربة الترامواي أو الكاري، هي من وسائط النقل المعروفة في بغداد أيام زمان، وكانت تسير على سكة خاصة أشبه بسكة القطار، وتستخدم لنقل الأهالي من منطقة سوق الجديد في الكرخ إلى مدينة الكاظمية ذهاباً وإياباً. وفي ذلك الوقت والحديث لا يزال للآلوسي، كنت ما أزال طالباً في مرحلة الدراسة الابتدائية، فكنا نرى الملا عبود الكرخي الذي كان غالباً ما يجلس في مقدمة (الكاري)، وعندما يلحظه أصدقاؤه ومحبوه الجالسون في المقاهي، التي يمر عليها (الكاري)، وهو في طريقه إلى الكاظمية كانوا يقفون لتحيته، وكان هو بدوره يرد عليهم التحية وهو يومئ لهم بسدارته التي كان يعتمرها برأسه، وأشار الآلوسي خلال حديثه باعتزازه بصداقته بحفيد الكرخي، وهو الباحث والأديب المعروف المرحوم حسين حاتم الكرخي، الذي كان زميلاً له في مرحلة الدراسة المتوسطة، حينما كانا يدرسان في متوسطة الكرخ. وقبل سنوات كنت والزميل عادل العرداوي في زيارة لعائلة حفيد الكرخي الفاضلة في داره العامرة، حيث استقبلنا من قبل كريمتيه السيدتين الفاضلتين أم أحمد وأم مريم ونسيبه الدكتور مظفر الطائي بالحفاوة والاستقبال الكريمين من قبلهم. وما عرفناه خلال هذه الزيارة أن هذه العائلة لا تزال تمتلك العديد من المؤلفات غير المطبوعة، التي تركها لها والدها والتي هي حقاً جديرة بأن تأخذ طريقها إلى النشر عن طريق تبني الجهات المعنية لفكرة طبعها، كونها تتحدث عن جوانب مهمة وأثيرة من حياتنا الاجتماعية وتراثنا الشعبي العريق، ناهيك عما تركه المرحوم الملا عبود الكرخي من كتابات وأشعار نقدية تميزت بنكهتها الشعبية المعروفة، وحري بنا اليوم أن نقيم للكرخي مهرجاناً ثقافياً احتفائياً وأدبياً، يليق بهذا الرائد الكبير وبما تركه من عطاءٍ ثر؛ لأنه كان وسيبقى مثابة سامقة في ذاكرتنا الثقافية الشعبية البغدادية وعلَماً بارزاً من أعلامها.