من أغاني المحلّات والمدن.. طرائف وعواطف

فلكلور 2023/01/05
...

 باسم عبد الحميد حمودي


في وقت من أوقات التأمل، تذكرت أغنية المطرب القاهري (محمد عبد المطلب)، وهو ينشد (ساكن في حي السيدة- وحبيبي ساكن في الحسين- وعشان أنال كل الرضا- يوماتي أروح له مرتين).


وحي الحسين في القاهرة قريب جدا من حي السيدة زينب، ولا يستغرق ذهاب العاشق الولهان من حي إلى آخر الكثير من الوقت، لكنها مبالغة الشاعر وجمال أداء المنشد العريض الصوت.

 وإذا كان القرب بين الحيين القاهريين الشعبيين لا يستدعي وقتا طويلا، فإن منشد المربع البغدادي الشهير (الطير كرخي- للرصافة اشجابه؟) يصوّر تلك المعاناة الظريفة للمحب، وهو يعبر شط دجلة الذي كان عريضاً ليصل إلى محبوبته وسط تساؤلات مؤدي هذا المربع الحاسدة, ولو امتد الزمان بمغني هذا المربع إلى يومنا هذا، لوجد أن المحب قد يترك الحبيبية الموجودة في الرصافة ويبحث عن (كرخية) جميلة... لكثرة الازدحامات والسبارات وصعوبة التنقل.. وهذا رجاء غير ملزم!

 ونحن نجد أن الأغاني لا تقتصر على المحلات أو جانبي النهر، بل تمتد للحوار بين المدن, وقد سمعنا الشاعر المؤدي عبد الصاحب عبيد الحلي وهو ينشد (يا عزيز الروح – يا بعد عيني)، وفيها يقول متغزلا بحبيبته:

(لا حوت مثلك بلدة الحلة- ولاقضا طوريريج يابه- ولا النجف كله- سلوتي انته وبيك اتسله- لو رحت عني ياعيني– من يسليني)، وقد غنى هذه الأغنية عشرات المطربين والمطربات، وكلُّ واحد وجمال أدائه.

وتأتي أغنية (الميمر) في ضفاف الفرات العليا، تشقُّ طريقها كلونٍ من أوزان الشعرالشعبي, حيث تتلألأ (سميكة) وسط أداء الأغنية والموال.

فاذا انتقلت إلى البصرة والناصرية والعمارة، لوجدت عشرات الأغاني، التي تتغنى بالمدن والأنهار وتتغزل بالجميلات الظريفات.

 واذا ذهبت إلى (القوريات) التركمانية والأغاني الكردية مثل (الحيران)، وغيرها والسريانية، لوجدت الكثير من الأمثلة على ذلك التعاشق بين المدن والمحبين والشعراء، ومن يؤدي تلك الألحان الجميلة، التي توثّق لأحداث أو تشير إلى منطقة بعينها (مثل حمام علي) مع وجود تفاصيل مهمة تتعلق بالمجاميع المنشدة، أو المتساوقة مع الأداء الفردي، ووجود فروق بين الأغاني الجماعية والأداء الفردي المتميز، الذي ينتقل من مطربٍ إلى آخر.

إن ذلك يدفعنا للقول إن دراسة واحدة جديرة بالاهتمام عن هذا الجانب، من أغاني المدن وتشكيلاتها الأدائية، اضافة لتاريخ اللحن وتحولاته لم تكتب بعد, وهذه الدراسة تحتاج الى متخصص عارف بما يفعل, إضافة الى امتلاكه ثقافة موسوعية وموسيقية عالية.