العمر ليس حاجزاً.. كبار السن على مقاعد الدراسة

اسرة ومجتمع 2023/01/07
...

  سعاد البياتي

تكاد تكون ظاهرة تلك التي رصدناها مؤخرا في أن العديد من كبار السن يجلسون على مقاعد الدراسات الأكاديمية أو الدراسات العليا، بغية الحصول على الشهادات الجامعية، التي تؤهلهم لحمل متعة العودة إلى أجواء الجامعة، وان كان متأخراً، إلا أنه شعور يتصف بالفخر والاعتزاز بالمقدرة على تخطي الحاجز المجتمعي.

فماذا قالوا؟ وماذا يصفهم الآخرون؟ .

محمود ادريس 52 عاماً تخرج هذا العام من جامعة الإمام الكاظم قسم اللغة العربية، يقول مبتسماً:

الإصرار وحب الاستزادة من العلم كانا هدفي الاول، ومع أني تركت الدراسة منذ عشرة أعوام لأسباب اقتصادية، إلا أن هاجسي ظلَّ في أمنية الدراسة وإكمالها، لتسنح لي الفرصة وأصمم على مواصلتها وأكون أحد طلاب العلم وبالاختصاص الذي أحبّه.

أدعو كل الذين فاتتهم متعة الدراسة أن يعودوا إليها، فالعمر لايقف حاجزاً أمامها، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأنفسنا ومشوارنا الحياتي، وقد تكون الفرص قد غادرت في الماضي، ولم تسنح للمضي في مشوار التعليم، بيد أن الظروف الصعبة لا تستمر للنهاية، ويأتي الزمن الذي يمهد للراغبين في تكملة تعليمهم قد حان حتى وإن فات جزءٌ كبيرٌ من العمر.

فرصة طيّبة

ويرى أمجد محمد علي 44 عاماً أن الدراسة والاجتهاد في العلم لا يقفان عند عمرٍ معين، فكل شخص عليه أن يستعين بسلاح العلم، وما الدراسة والدوام في الجامعة، الا فرصة طيبة لإثبات حرصنا ووجودنا، وكل جهد مبذول في ذلك يعد عملاً كبيراً، وله مردودات ايجابية على شخصية الفرد وتطوره العلمي، وعلى مستواه الاجتماعي، وكبار السن يتحلون بمسؤولية أكبر من الطلاب، الذين يكملون دراستهم بالعمر الطبيعي، كما أن جهدهم ينصب في تأمين رسوم الجامعة، وليس كبقية الطلبة الذين يتحمل الأهل مسؤوليتهم.


العمر ليس حاجزاً

وناقشت كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة البصرة قبل فترة وجيزة رسالة ماجستير في قسم غدارة الأعمال للباحثة كريمة محمد، والتي تبلغ من العمر ستين عاماً، وكانت رسالتها بشأن تعزيز الثقافة التنظيمية واتخاذ القرارات من الرسائل النادرة، والتي حصلت على درجة جيدة، وذكرت أن العمر لا يقف عند حد معين، وأن هدفها هو في الوصول اليه رغم كل الصعوبات التي صادفتها، إلا أن طموحها كان في إكمال دراستها العليا، لتكون نموذجاً لكل من فاتته حلاوة الدراسة، فالقرار لصاحب القضية هو من يقرر دخوله عالم العلم الشاسع والممتع. 

ويوضح رسول/ خمسيني آداب إعلام أن «ظهور الجامعات الأهلية، والتي احتضنت الكثير من الأشخاص ذات الأعمار الكبيرة أو غيرهم من الموظفين والعسكريين للحصول على شهادة البكالوريوس المدنية، والتي لم يتم الحصول عليها سابقا. أما الهدف هو طموح ووجاهة على الرغم من تاخر الزمن، اخترت الإعلام لأنه يشبه كثيرا اختصاص العمل، والذي يتضمن التقارير والندوات والاجتماعات والتحليل النوعي للأحداث، ولم يكن العمر حاجزاً أمام اكمال الدراسة، بل هو تحفيز على أن الطموح لا ينتهي عند نقطة معينة، مبينا استفدت كثيرا من المحاضرات والمعلومات، التي تمكنت من خلالها العمل بها في حياتي العملية. 

الدراسة نابضة 

وتقول نادية السامرائي 50 عاماً اختصاص تاريخ «بالرغم من مشواري الدراسي، الذي توقف منذ زواجي ورزقني الله بأولاد وأحفاد، إلا أن الطموح ما زال ينبض في فكري وقلبي، ويهفو إلى قاعات الدرس، فصممت أن أكمل دراستي، وأنتمي إلى إحدى الجامعات، وأحصل على الدرجات الجيدة، التي تؤهلني أيضا لمشوار الدراسات العليا، فالعمر ليس عائقاً امام طموحات الانسان، فحال جلوسي على مقاعد الدراسة انتابني شعوراً بالفخر والاعتزاز، وأشكر الله على نعمه علينا. 


طموحٌ مؤجل

أستاذ العلوم السياسية الدكتور مهند الموسوي، يرى أن من أقوى الأسباب، التي تجعل البعض يعود إلى مقاعد الدراسة، هو الطموح المؤجل لأسباب عدة، منها الأمنية والاقتصادية ومتطلبات الحياة الأسرية، لذا يقتنص الشخص أفضل الفرص للعودة للدراسة حينما يكون مهيأً لذلك، وأغلب الذين عادوا في أعمار متوسطة أو كبيرة، علقوا آمالهم على تحسين أوضاعهم المادية في المؤسسات الذين ينتمون اليه، وهذا مطلب ٌمشروعٌ في السنوات الاخيرة، ما يجعلهم أكثر حرصاً لانفسهم وآمالهم.

ويوضح الموسوي أن النظر إلى الآخرين ممن حصلوا على شهادات عليا كان حافزاً قوياً للكثيرين ليكونوا أمثالهم، فالعصر كما يوصف (عصر العلم والتكنولوجيا).

ويصف الدكتور عمار الكعبي أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة الوارث، أن الدين الاسلامي شجّع على طلب العلم، ولو في أبعد الاماكن، ليبين أهميته في الحياة، فذلك يفضي إلى نضوج تفكيرهم وخبرتهم العملية، وتعزيز اهدافهم الحياتية، والعلم لا يقف عند حدٍ معين من العمر، فهو وارد في كل السنوات، أحياناً مؤجلاً لظرف ما، إلا أنه يستعيد عافية الدراسة ولو بعد حين، فيحملون الجدية في تحقيق حلمٍ ماضٍ أو طموح يتجدد، وهو بالتحديد إثبات لذاتهم ولأسرهم أنهم قادرون على العطاء.