أشبه بالمذكرات حـمــودي والبـراك.. فـــي الـحـلــة

فلكلور 2023/01/12
...

 باسم عبد الحميد حمودي

في العام 1929 تخرج والدي في دار المعلمين ببغداد، وكان من خريجي دورته أيامها السادة: عزيز علي (المنولوجست المعروف)، وطاهر يحيى (أحد رؤساء الوزارات العراقيَّة في ما بعد)، وعباس عبدالرحمن (أحد التربويين المعروفين)، وسواهم.

عُيِّنَ الوالد معلماً في المدرسة الشرقيَّة في الحلة وكان في العشرين من عمره فصحب والدته السيدة (مكيَّة بافي) لرعايته، فلم يكن قد تزوج بعدُ، واختار أصدقاء جده الخانجي بافي الجبوري وهم من آل الجوهر بيتاً مريحاً على النهر، حيث عقدت الحاجَّة والدته صداقات حميمة مع جاراتها، بينما انشغل عبدالحميد بالتعليم نشطاً منصرفاً الى العناية المثلى بطلبته وبينهم الطالب علي جواد الطاهر الكروشي (أحد أبرز نقاد العراق في ما بعد) والطالب إبراهيم جلال (الفنان الكبير) ابن قائممقام المركز ومئات غيرهم.

وقد خصَّصَ الناقد الطاهر شذرات من مذكراته وكتابه (أساتذتي) للحديث عن سجاياه، وقال إنَّ عبد الحميد حمودي ربح يوماً جائزة اليانصيب الكبرى وقدرها (75) ديناراً، بينما كان راتب المعلم لا يتجاوز الخمسة دنانير شهرياً.

يقول رحمه الله إنَّه قضى الصيف في لبنان خلال العطلة الصيفيَّة وتعرف في مصايفها على الشاعر حليم دموس الذي صار مُبشراً بأفكار الدكتور داهش الغريبة (اسمه يوسف العشي وهو من أصولٍ عراقيَّة) وقضى وقتاً طيباً في شتورة وعالية وغيرهما من المصايف اللبنانيَّة الجميلة.

كان مدير متوسطة الحلة أيامها القاص ذو النون أيوب ومن مدرسي المتوسطة أستاذ اللغة العربيَّة الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي ترك العمل في البلاط الملكي منذ سنواتٍ ليعمل في الصحافة أولاً ثم في التدريس، حتى جاء أمرُ فصله من الوظيفة بسبب قصيدة له ضد حكومة السعيد.

قال لي الوالد رحمه الله إنهم كانوا يسهرون يومياً في نادي الموظفين مع الجواهري وأيوب وأستاذ الجغرافيا البارع محمد أحمد المهنا وفاهم غزالة وغيره من تربويي الحلة الشبان، فقام هؤلاء بتنظيم حملة لمساعدة الجواهري وأسرته فأنشأوا له ما يشبه المكتبة لبيع الصحف والقرطاسيَّة، لسداد تكاليف الأسرة، وأسهم في الحملة السادة عبد العباس مرجان وآل الجوهر.

لم يدم ذلك طويلاً، فقد نقل الجواهري أهله الى النجف ودخل معركة الوجود السياسي ببغداد إزاء الملك والوزارة كما هو معروفٌ في مذكراته.

المهم أنَّ الوالد الكريم قد صنع لدى تلامذته أطيب الذكريات قبل أنْ ينقل بناءً على طلبه الى الناصريَّة بعد زواجه من سيدتي الوالدة (نعيمة عبد الرزاق البراك) التي عُيّنت معلمة عام 1935 في الناصريَّة وصاحبها زوجها (الوالد) مديراً للمدرسة الشرقيَّة هناك.

لم تستمر الوالدة في عملها التربوي فقد استقالت بعد وفاة ولدها الثاني المرحوم حازم بمرض الحصبة، بينما نجا الأول (باسم) بقدرة قادر.

عادت أسرة البراك الى الحلة ممثلة بفرعين أو قل ثلاثة، الأول أسرة الجد الحاج السيد عبد الرزاق حمد البراك، إذ عُيّن ولده الأكبر (سامي) في محطة سكة قطار الحلة إدارياً فصحب كل أسرته وعاشوا في الحلة سنوات، في وقت جاءت أسرة السيد عبد الله البراك الذي نقل الى دائرة تسوية الأراضي في الحلة، فاختلط أولاده: عدنان ويعرب وعصام بشباب الحلة في مدارسهم، وكان عدنان من الناشطين سياسياً وعلمياً، حتى أنَّه تخرج متفوقاً في الإعداديَّة وقبل في كليَّة الطب.

كان المرحوم عدنان مسؤولاً عن تنظيمات المعاهد العالية في الحزب الشيوعي العراقي على صغر سنه، وحين قبضت الحكومة على تنظيمات الحزب بقيادة يوسف سلمان (فهد) لاعترافات مالك سيف حكم على (عدنان) عام 1948 بالسجن عشر سنوات قضاها بأسرها إلا بعض الأشهر، إذ حدث انقلاب 58 واستطاعت أسرة عدنان التي انتقلت الى بغداد الشعور بنوعٍ من الراحة بعد إطلاق سراح ولدها الأكبر الذي نشط صحفياً وسياسياً، حتى اعتقاله وإعدامه مع الكثير من كوادر الحركة الوطنيَّة بعد انقلاب شباط عام 1963.

رحلت أسرة سامي عبد الرزاق البراك من الحلة بعد وفاة الأب ونقل ابنها الى بغداد، لكنَّ ابنتهم (سعديَّة عبد الرزاق) عُيّنت معلمة في الحلة وسكنت في دارٍ خاصة بمصاحبة القاصة الفلسطينيَّة سميرة عزام التي عاشت سنتين كمعلمة في الحلة، وعقدت صداقة جميلة مع السيد سعديَّة (خالتي التي تزوجها الأستاذ عبد القادر البراك الصحفي اللامع).

عند رحيل الأستاذة سميرة الى إذاعة الشرق الأدنى في قبرص، ونقل السيدة (سعديَّة) الى بغداد لم تنقطع علاقات آل البراك مع الحلة وأهلها الميامين ولا علاقة الوالد مع أصدقائه مثل الأستاذ طه باقر وتلامذته من أمثال الدكتور الطاهر والدكتور باقر سماكة وسواهما، وبقيت الصلة قائمة حتى وفاته رحمه الله.