حسب الله يحيى
عندما تتمكن من إنجاز عمل ما؛ لا تصبح لديك حاجة إلى الاستعانة بالآخر.
اعمل ونفذ ما أنت قادر عليه، من دون ترقب لمساعدة أحد، فالآخر في أحسن الأحوال يمن عليك وفي أسوأ الأحوال قد يستغلك، وفي الحد الوسط أنت مدين له بالمساعدة، ولا بد أن يستعين بك هو الآخر، وعليك أن تلبي الطلب من باب رد الجميل. هذا شأن تربوي في مألوف حياتنا اليومية، كما أنه درس يحسن أن نتقنه، حتى نتقدم إلى شؤون أخرى، أكثر اتساعاً، ولكن سعتها لا تحول دون قدرتنا على إنجازها.
من هنا نرى أن استعانة الحكومة بالبلدان الخارجية بكل صغيرة وكبيرة أمر غير مقبول..
فإذا كان بمقدور العراقيين بناء بيوتهم ومدارس أبنائهم بأنفسهم ، والاستعانة ببنائين ومهندسين عراقيين.
إذن هم يمتلكون القدرة على بناء الدوائر والمشافي والمدارس الرسمية كلها.
والفلاحون العراقيون مهرة في زراعة أراضيهم، حتى أن ما يزرعونه يعد هو الأجود والأرخص ثمناً والأفضل جودة عند مقارنته بما هو مستورد من الفواكه والخضراوات.
وكثير من المواد الغذائية والمستلزمات اليومية والمواد الطبية، وطباعة دفاتر وكتب الطلبة والكتب الأخرى.. كلها بمقدور العراقيين إنجازها، فلدينا خبرات وكفاءات واهتمامات وآلات كذلك ومصانع معطلة تفوق في إنتاجها الكثير من المنتجات والسلع والبضائع الأجنبية.
نعم .. العراقيون مهرة ومبتكرون ومع ذلك يبحثون عن عمل، لكنهم لا يجدون من يفتح لهم سبل العمل في مصنع ما، أو مشروع معين، أو حقل للزراعة، أو أعمال لا تتطلب المهارة.
إلا أن ما نشهده وبإلحاح كبير؛ هو اللجوء إلى الأجنبي لكي يبني لنا مدرسة أو يطبع دفتراً ويصنع قلماً أو يطلي جداراً أو يصنع كرسياً أو يحرث أرضاً بوراً، أو ينتج لنا رغيف خبز أو ينتج لنا غذاءنا اليومي.
الأسواق مليئة بالبضائع الأجنبية والأعمال والمشاريع الصغيرة منها والكبيرة، تناط كلها لمستثمر أجنبي، وهناك من يسيء للعراقيين بالقول إنهم لا يتقنون أعمالهم أو لا يبرون بوعودهم أو لا يؤتمنون على
مشروع!.
وهذه اتهامات، أقل ما يقال عنها إنها باطلة.
فتحت الفحص والرقابة والعقود والشروط المشددة ـ التي لا تقبل الرشا ـ يمكن أن نؤمن أبواباً كثيرة للعراقيين، من دون أن نكون قد وقعنا في محنة (الدولار) الذي لا يطلب إلا عند الاستيراد من الخارج وهو ما يريده أي مستثمر خارجي.
إن الاتكاء على الأجنبي في حفظ أمننا وحراسة حياتنا وتوفير الماء والكهرباء وحتى القوت لنا، وبناء كل طابوقة على أرضنا ونظافة وتسوية شوارعنا.. كلها أمور باتت تشكل عبئاً على البلاد وتعد عقدة صعبة أمام كل عراقي. كما أن الاستعانة بالعمالة الأجنبية، وإهمال العمالة العراقية، مسألة هي الأخرى بها حاجة ملحة للنظر والمعالجة
الفورية.
ذلك لأن الإبقاء على العراقيين بلا عمل وبلا مدارس وبلا علاج وبلا ضوء وبلا ماء نقي والاتكاء على إثقال الدوائر بالموظفين كحل عاجل ووحيد.. هي من الأمور التي تنم عن معالجة غير علمية وغير بناءة في حين يتطلب الأمر حلولاً موضوعية ليست صعبة ولا مستحيلة.
إن كل البلدان التي واجهت الحروب والكوارث والنكبات، لم تتمكن من إعادة وجودها إلا عن طريق اعتمادها على قوى الشعب في العمل والإنتاج الفاعل والمخلص.
أما أن نظل نستعين بالخارج في كل شأن من شؤون حياتنا ؛ فأننا لن نبني بلادنا أبداً، وإنما سنظل كسالى، نعاني من البطالة والفاقة والجهل والمرض..
نعم .. نحن نستعين بالخبرات الأجنبية عند الضرورات القصوى، وحين نجيء بها إلى بلادنا، فلا بد أن نتعلم منها وأن نشترط عليها أن تتولى تعليم وتدريب وتأهيل عدد من العراقيين في كل اختصاص، وذلك لأن هذه الخبرات ستكون هي مفاتيح لتطوير البلاد، ووضع الحلول لكل المشكلات التي تواجهنا في العمل.
فهل نجد من سبيل جديد لخطط تعيد للعراقيين دورهم المضيء في تقديم صناعة عراقية وأيادٍ وطنية وندون بفخر : صنع في العراق؟
وهل من دعوات مخلصة وحوافز فاعلة في دعوة الخبرات العراقية التي تقيم في الخارج والتي كانت السياسة العراقية طاردة لها.. لكي تعود وتبني البلاد من جديد؟.