بين الفقه وفعل العرف

آراء 2023/01/17
...




 حسن عودة الماجدي


لا شكّ أنّ التّقاليد والأعراف العشائرية هي التي أنجبت نظام المشايخ أفخاذاً وعشائر وقبائل بالفطرة التّلقائية، من أجل تنظيم الحياة الإجتماعية والتعايش السّلمي وليس بمحاكم أو مراسيم رسمية , إذ إنّ الآية الكريمة قد جاءت تتويجاً لهذا الامر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات /13 , إذن يتبيّن لنا ممّا جاء في الآية الكريمة هو الإعجاز في تصنيف البشر إلى شعوب وقبائل مختلفة ومتنوعة بالملامح واللغات والتّقاليد، ليعرف كلُّ إنسان بسماته وخصائصه المميّزة له وكذلك لتعرف أنسابهم, لا لكي يتفاخروا أو يتفاضلوا عن غيرهم, إذ ليس لجنس على آخر فضل إلا بحدود التّقوى, لكن المؤسف في هذا الصّدد أنّ استحكام عقد (الأنا)، قد شلّت قدرات الخير عند الرؤساء للعشائر العراقية، وأصبحت هذه الخصلة تزداد نموّاً كلّما سار الإنسان قدماً في مضمار عن مخافة الله تعالى، ومن هذا قد نشبت الحروب المدمّرة بين العشائر والقبائل ومن ثمّ الشّعوب أيضاَ , لذلك على عشائرنا أن تجعل من التّسامي الرّوحي هدفاً للمؤمنين كأخوةً بإصلاح ذات بينهم وليس للاحتراب والدّكات العشائرية الموجعة، بمختلف الأسلحة الفتّاكة والهوسات النّارية، الّتي تبتعد كثيراً عن الحقائق وموجبات الشّريعة, ومهما ذكرنا من سلبيات للعشائر العراقية لكنّها أثبتت الدّور الرّيادي في تسوية النّزاعات في الفترات، التي تراجع فيها القانون وتكاثر فيها المتطاولون في الفترة التي تلت سقوط النّظام الدّكتاتوري وحدوث الفراغ الأمني وتهاوي مؤسّسات الدّولة وعمليات الفرهود العارمة من قبل بعض النفوس الضعيفة ممّا حدى بها أي العشيرة أن توظف ثوابت العرف الثّقيل ضد الذين تغافلوا مبادئ القيم والدّين, كذلك أنّها صمّام أمان للعشائر التي تخوض في زحمة الاستغراق المريب، فضلاً عن ساحتها الحاسمة والسّريعة والقطعية في فض النّزاعات وتداعياتها، بالرّغم من آلياتها البسيطة والشفهية, في حين نجد أن التّأخير في الحسم القانوني الرّسمي هو السّمة الأبرز للّتأخير أمام القضاء، حيث يحتاج ذلك لأبسط الدعاوى المنظورة أمام المحاكم لكي تحسم مروراً بمرحلتي الاستئناف والتّمييز إلى أكثر من سنة، وغالباً ما تعترض تنفيذها عقبات كثيرة كتعقيد إجراءات دوائر التّنفيذ ورتابتها التي تخلق شعوراً لدى المواطن بعدم جدوى الاحتكام إلى القضاء, لذلك سأم النّاس الإجراءات الممّلة واتّجهوا نحو الأعراف والسّنن العشائرية، بدلاً من القرارات القضائية ومع هذا الإجراء الإيجابي للعشيرة, لكنّه لم يكن بالقاعدة الذّهبية بالمنظور الفقهي, لذا نتوسّم بعشائرنا الكريمة أن تجعل في قراراتها الحل، وفقاً للشّريعة والّتراضي المنصف بمساحة الحد الفقهي والإجماع والعقل من أجل الضّمان للمفاصل المجتزئة من طرفي المعضلة في الوقت الرّاهن والكفّ عن الموروث الجّاهلي، الذي يفتقر إلى المعايير الإنسانية والاشتراطات الموضوعية, وهذا الموجب لصاحب القرار وأعني به شيخ العشيرة أن يجسّد الأفضل في الحل السّوي، وفقاً لمعيار التّقوى كي يبقى رقماً صعباً في المعادلات الإجتماعية والفقهية.