حرية التعبير وليس التخوين

آراء 2023/01/17
...

 سالم مشكور 


يدخل إلى صفحتك في وسيلة التواصل الاجتماعي ويعلّق على منشور لك بلغة تخوين وتطاول، وعندما ترد عليه موبخاً يجيبك: أنت إعلامي ويجب أن تتقبل الرأي الآخر.

هذا ما يحدث لي كل يوم في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وفي النقاشات المباشرة أيضاً.

المفاهيم متداخلة عند الكثيرين.

لا يميزون بين حرية الرأي والتطاول، ولا بين حرية الرأي والفكر وحرية التعبير عن الراي.

أساساً لا يرون للحرية حدوداً، إلّا إذا تعارضت مع هواهم وأفكارهم.

ما يعانيه مجتمعنا هو التدهور الأخلاقي وتراجع أخلاقيات الحوار والتهذيب.

بعد عشرين عاما على زوال الدكتاتورية، التي انتجت أجيالاً ممن لا يعرفون الرأي الآخر، بل الالتزام برأي القائد الأوحد وحزبه المقدام، بينما الحرية التي تشكل أحد أركان شعاره الثالوثي لا وجود لها حتى في الأحلام، كنا نعتقد أن المجتمع سيتدرب تدريجيا على قبول الآخر وعدم تخوينه أو زجره، لكن النتيجة كانت عكسية.

الكثيرون باتوا أكثر تشدداً، والأخطر أن أبناء جيل ما بعد 2003، الذين لم يشهدوا الدكتاتورية، يبدون أكثر حدةً في سلوكهم، وعدم قبولهم للرأي المخالف.

ومع تراجع قيم المجتمع الأخلاقية بفعل قساوة ظروف ما قبل 2003، وانفتاح الساحة المفاجئ بعد ذلك، بات "عدم القبول"، يترجم إلى عنف كلامي يأخذ شكل تطاول وسباب وعبارات بذيئة، مع شعور كامل بأنه يمارس حرية رأيه، ويطلب من الآخر القبول بذلك. 

هذا السلوك الانحرافي، يخلق أو يعمق حالة الكراهية التي تشكل اساساً لعنف لفظي في المجال الافتراضي، قد يتحول إلى عنف جسدي خارجه.

وفي الغالب فإن التخاطب عبر العالم الافتراضي لا يحتاج إلى الشجاعة التي يحتاجها النقاش المباشر، فيتمادى المستخدم في تطاوله دون رادع، معتقداً أنه يستخدم حقه في التعبير عن رأيه. 

الفرق بين حرية الرأي وحرية التعبير هي أن الأولى، تعني اعتناق الفكر أو الرأي دون اعتراض أحد، وهذا لا يحتاج إلى حدود.

أما حرية التعبير فهي الإفصاح عن الرأي أو المعتقد دون خوف أو قمع من أحد.

لكن هذه الحرية لا تعطي صاحبها حق الاتهام والتجريح والتخوين. 

هنا فإنها تتعدى حدود الحرية إلى سلوك يجرّمه القانون بنسب متباينة من الشدة حس كل بلد. 

في بلدنا يحاسب القانون على عملية القدح والذم، وهو إجراء يمنع العنف في بلد يعيش شعبه حالة الاحتقان وضعف الثقة بفعل عوامل عديدة، بعضها يعود إلى سنوات الدكتاتورية والخوف، والآخر إلى سنوات الحكم غير الشمولي والانفلات السياسي والأمني، بينما دول أخرى تتهاون قوانينها في موضوع السباب، والذم لكنها تتشدد في توجيه الاتهام دون دليل. 

ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ساعد كثيراً في تراجع قيم الحوار وأخلاقياته، خصوصا في بلد مثل العراق، حيث الخلط كبير بين المفردات والمفاهيم وغياب الثقافة السياسية والاجتماعية وتراجع دور الاسرة في التربية، وتفشي ثقافة التفاهة والسطحية، مما يستدعي قوانين رادة وجدية في تطبيقها، قبل أن يصل المجتمع إلى مرحلة اللاعودة.

إنما الأمم الاخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا.