من البصرة إلى برلين

آراء 2023/01/18
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي


(8) آلاف كيلو متر، هي المسافة الفاصلة بين مدينة البصرة العراقية، وبرلين الالمانية، ورغم هذه المسافة الطويلة، إلا أن المدينتين تتشابهان وتشتركان في بعض صفاتهما، ومنها عدد النسمات، اذ يبلغ سكان كل منهما نحو (3) ملايين ونصف المليون نسمة، كما تمثل كل منهما مركزا اقتصاديا وسياسيا وتجاريا مهما للبلدين، وتشترك المدينتان في أن كل واحدة منهما تمثل أحد اكبر ثلاث محافظات أو ولايات في المانيا والعراق، وثمة قاسم اخر تشترك فيه البصرة وبرلين الا وهو حرف (الباء - B) فكلاهما يبدآن بهذا الحرف, الذي يعد الحرف الثاني، في كل من اللغتين العربية, والالمانية، ولعل هذه المقارنة البسيطة بين البصرة العراقية وبرلين الالمانية، لم تكن بهدف بيان القواسم المشتركة بين المدينتين، ولكن أردت من خلالها التوطئة، لقضية اهم، اذ كان للمدينتين خلال الايام الماضية دور ذو أثر كبير في المشهد العراقي برمته، بل أكثر من ذلك حتى العربي، وربما العالمي أيضا، فالبصرة قد رسمت صورة جديدة للعراق، عبر النجاح المبهر، وغير المسبوق في تنظيم بطولة خليجي (25)، ومن خلال هذه الصورة، فُتحت افاق واسعة، ستكون ثمارها كبيرة على العراقيين، ثمار اقتصادية وسياسية وتجارية وسياحية، واجتماعية، تسهم في خلق حالة من الاستقرار الكبير في العراق والمنطقة، ولعل أولى هذه الثمار، تحسّن مستوى الجواز العراقي على مستوى العالم، فقد أذهلت البصرة والبصريون العالم اجمع، في ما قدموه من كرم ودقة في التنظيم واجواء مستقرة وآمنة، الصورة التي رسمتها البصرة، بددت تلك الصورة القاتمة، التي رسمها الاعلام العربي للعراق على مدى 20 عاما مضت، فعاد هذا الاعلام، ومن البصرة، ليقدم صورة العراق الحقيقية، صورة جعلت الدنيا كلها تستشعر عظمة هذا البلد، وقدرته على العودة لممارسة دوره "الجيواقتصاسياسي"، هذا الدور سينطلق من البصرة، عبر مينائها الكبير، ودورها المتعاظم الذي سيمثل نقطة عالمية مهمة في التعاملات التجارية والمصالح الاقتصادية بين الشرق والغرب، وصولا إلى أوروبا، ومن هناك إلى برلين، التي استقبلت رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اذ تعد هذه الزيارة خطوة مهمة في طريق تفعيل التعاون المشترك بين البلدين، لا سيما من جهة القدرات الالمانية الهائلة، وتعطّش شركاتها العملاقة إلى العمل والاستثمار في العراق، في مجال الطاقة، ومجالات اخرى كثيرة، ويمكن للعراق أن يستثمر امكاناته في ما يمتلكه من قدرات نفطية وغازية، في ظل أزمة الطاقة التي تشهدها أوروبا، متأثرةً بتداعيات الحرب الروسية- الاوكرانية، وهنا يمكن للجانبين وضع آلية مناسبة، يمكن من خلالها الاتفاق على تزويد المانيا بالنفط، مقابل دخول شركاتها إلى الاستثمار في مختلف القطاعات التنموية، وفي مقدمتها الكهرباء، التي ما زالت تمثل عقبة كأداء تواجه الحكومة، وتنغص عيش العراقيين في الشتاء والصيف، ولذلك فإن وجود ألمانيا، عبر تفعيل مذكرات التفاهم التي جرى توقيعها بين الجانبين خلال زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء، تمثل فرصة مهمة لتغيير المشهد العراقي، من حيث تحسين مستوى الخدمات في مجال الصحة والتعليم والسكن والبنى التحتية، والصناعة التحويلية والزراعة، وتوفير فرص العمل، والخروج من متلازمة ازمة الطاقة الكهربائية على مدى عقود من الزمان.

ولكن في المقابل فإني أعتقد أن هناك الكثير من العقبات التي ستطفو على السطح، لإرباك أو عرقلة أو على الاقل تأخير جني ثمار ما تمَّ غرسه في البصرة وبرلين، اذ من المؤكد وجود جهات داخلية وخارجية، لا يرضيها مثل هذا التطور الايجابي في العراق، لذلك فإنها ستسعى إلى اثارة المشكلات هنا وهناك، لإفراغ ما تحقق في البصرة وبرلين من محتواه.