محنة الموازنة

آراء 2023/01/19
...


 حسين رشيد


موازنة 2023 يبدو أنها ستكون مثقلة بالنفقات والعجز، وربما تصاب الإيرادات المتوقعة بلعنة انخفاض أسعار النفط، التي قد تدفع الحكومة إلى الاقتراض مجدّدا وتحمّل الفوائد، أو السحب من الاحتياطي المالي الذي وصل إلى 100 مليار دولار، كما سيسبب الانخفاض توقف مختلف المشاريع التي تأمل الحكومة إنجازها، فضلا عن أثقال الموازنة بزيادة كبيرة وغير متوقعة في الرواتب التي كانت نحو 41 ترليون دينار، وستصبح 61 ترليون، إذ إن 20 ترليون دينار مبلغ كبير جدا، قياسا بما أعلن عن تعيينات لحملة الشهادات العليا والمحاضرين وغيرهم، اذا ما علمنا أن 41 ترليونا رواتب 4 ملايين موظف، بضمنها رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث، ما يعني أن هناك قرابة 2 مليون موظف جديد في الدولة العراقية، وهذا حق كفله الدستور لكل مواطن، لكن هل ثمة جدوى اقتصادية من هذه الزيادة، علما أن معدل إنجاز الموظف العراقي لعمله في الوقت الحالي يوميا 5 دقائق تقريبا. طوال السنين التي أقرت فيها الموازنة اعتمدت على توقعات وتخمينات مع غياب الحسابات الختامية، ما يدل على انعدام الرؤية الستراتيجية واضحة المعالم، التي تأخذ بنظر الاعتبار النفقات والايرادات وكيفية إيجاد توازن بينهما، فضلا عن انعدام التخطيط في إيجاد بدائل عن واردات النفط تساهم في سد أي عجز جرّاء انخفاض أسعار النفط، التي قد تحصل في أي لحظة، خاصة أن العالم يغلي على نار الصراعات العسكرية والاقتصادية وعمليات بسط النفوذ بين القوى العالمية. تسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية إلى انخفاض القدرة الشرائية لشرائح عدة، كما تسبب باستقطاع غير مباشر من رواتب الموظفين وصل إلى 20 % من الراتب الاجمالي، وربما يرتفع مع انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، إذا لم تسارع الحكومة إلى وضع الحلول اللازمة لتدارك بعض أجزاء الأزمة الاقتصادية التي يبدو أنها في الطريق إلى التفاقم تدريجيا، وان لم يشعر المواطن بذلك حاليا فانه سيكتوي بنار الأسعار في القريب العاجل، فأغلب المطروح في الأسواق الآن من مختلف البضائع والسلع كان وفق السعر السابق للدولار، ما يعني أن بقاء سعر الصرف على ما هو عليه الآن وتأرجحه بين 156 – 160 الف دينار سيدفع التجار إلى التعامل مع السعر الجديد في الاستيراد الخارجي والبيع في الأسواق المحلية، وهذا ما يفترض أن تعالجه الموازنة المقبلة، لا أن تعتمد على استحداث درجات وظيفية جديدة، تذهب نسبة كبيرة منها لأعضاء ومؤيدي الأحزاب والقوى المشاركة والداعمة للحكومة، التي كنا نأمل أن تكون حكومة ترشيق للهيكل الوظيفي، والتخلص من الترهل الإداري خاصة في الدرجات الخاصة، ونفقات الرئاسات والمسؤولين بمختلف درجاتهم الوظيفية، فما يستخلص من تلك الامتيازات والمخصصات يمكن أن يسهم ببناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة، وإتمام بناء المستشفيات والمدارس مع الحاجة الملحة جدا لهاتين المؤسستين. من المفترض أن ثمة بعض الاستقرار في البلاد، الذي يحتم إقرار الموازنة وفق رؤية الحكومة والبرنامج الذي أعلن عنه، وأن تأخذ بنظر الاعتبار أن تكون موازنة عامة تعالج الاشكالات الاقتصادية وتفتح آفاق الإنتاج الوطني، وتستثمر الأموال التي تمنح كمعونات أو ما شابه في معالجة البطالة وفق رؤية اقتصادية انتاجية، كما يفترض أن تكون مختلفة عن سابقاتها في السنوات الماضية، ولا تخضع لأمزجة الساسة وقادة الكتل، وأن تكون لبنة أساس لموازنات السنوات المقبلة، وأن تضع في سلم أولوياتها معالجة الفرق وردم الفوارق بين الشرائح والطبقات الاجتماعية، التي كلما اتسعت زادت معها أعداد الفقراء الذين – حتما - لن يطول صبرهم وصمتهم.