الكاتب الآلي.. هل نقول وداعاً لمؤلفينا؟

ثقافة 2019/04/07
...

ستيفن بوول ترجمة: ليندا أدور
 
 
 
صار بإمكان الذكاء الاصطناعي، الآن، أن يؤلف الروايات ويلج الى ميدان الصحافة، لكن هل يرتقي الى مستوى جورج أورويل أو أن يكتب تقريرا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ 
هل يمكن للروبوتات أن تكتب روايات عن الخراف الآليّة؟؟
 
 انه الحلم أو الكابوس، عن نثر آلي بالكامل بدا وكأنّه صار أقرب بخطوة الى الاعلان عن الذكاء الاصطناعي الذي بامكانه، منفردا، انتاج قصص اخبارية أو روايات. جاء ذلك كواحدة من بنات أفكار شركة “أوبن أي آي Open AI”، وهي شركة غير ربحية يدعمها آيلون ماسك، إذ اصدرت تحذيرا للأدباء بإعلانها ان الذكاء الاصطناعي المعروف ب جي بي تي 2 GPT2)) بات يشكل خطرا كبيرا بالنسبة لهم اذا ما تم إطلاقه، كونه سيتم توظيفه من أجل خلق Deepfakes للنص” (ويقصد به انشاء نصوص مزيفة لنصوص أصلية تكون قريبة جدا من النص البشري)، فهل ستصبح كيانات التعلّم الآلي هي السلاح الجديد لارهاب المعلومات، أم ستقصي الروائيين من عملهم؟ 
 
قلق الروائيين
بداية، وبالعودة خطوة الى الوراء، لقد كان الذكاء الاصطناعي، ولأمد طويل، هو الشيء العظيم التالي، إذ بات من السهل التكهن بوجود الذكاء الاصطناعي. يستخدم الـ GPT2 طرق التحليلات الاحصائية التي تشتمل على كم هائل من المعلومات التي دوّنها الانسان، غذيت بنحو 40 غيغابايت من صفحات الانترنت، لتحليل وفهم آليّة ونمط الكتابة المختلفة، وهذا هو النهج الاحتمالي الذي تعمل به خدمة ترجمة “غوغل” وخدمة الرد التلقائي في “جي ميل” بكلمة “موافق” أو “اراك لاحقا”.
في الوقت الحاضر، لا يوجد ما يدعو للقلق بين الروائيين. يطالعنا السطر الافتتاحي من رواية جورج أورويل “1984” بـ”كان يوما باردا من أيام نيسان، وكانت عقارب الساعة تشير الى الواحدة بعد الظهر” لتكمل الآلة سرد الأحداث كالتالي: “كنت في سيارتي في طريقي لتسلّم وظيفتي الجديدة في سياتل، عبّأت السيارة بالغاز, ووضعت المفتاح، وتركت لها القيادة، وأنا أتخيّل كيف سيكون يومي. بعد مئة عام من الآن، في العام 2045، كنت معلما بإحدى المدارس بمناطق الريف الصيني الفقيرة، أدرّس التاريخ الصيني وتأريخ العلوم”. وهو أمر مربك بالفعل، إذ لا يمكن للراوي ان يعمل في سياتل ويعمل باحدى المدارس في الصين في آن واحد، فضلا عن أن أحداث القصة كان يتوجب وقوعها العام 1945، كي يتسنى له تخيّل مستقبله التعليمي “بعد مئة عام من الآن”، وحتى وان كان في ذلك العام، فقد كان يقود سيارة يمكن ان تعبأ بالوقود من الداخل بقوله “كنت في سيارتي.. وعبأتها بالغاز” ويبدو انها لا تحتاج لان يقودها حين يقول “تركت لها القيادة”.
 
السلاح والترياق
ذات الشيء يمكن أن يحدث في حال قدم جي بي تي 2 تقريرا عن الـ Brexit ، بأن يجعل السطر الاستهلالي الذي يقول: “كلّف الـ Brexit الاقتصاد البريطاني خسائر تقدر بنحو 80 مليار جنيه استرليني منذ استفتاء الاتحاد الأوروبي” ليكون كالتالي: “ربما تخسر المملكة المتحدة ما يقرب من 30 بالمئة من أفضل عشر جامعات لديها في المستقبل” (وهو أسلوب ملتوٍ الى حدٍّ ما للقول بأنّها ربما تخسر ثلاثا من أصل عشر). ويمضي الآلي بتقريره بالقول: “وهذا سيدفع بالكثير من عقولنا الموهوبة للهجرة خارج البلاد الى حرم جامعات الدول النامية، وقد يكلّف ذلك، وفقا لبحث أجرته جامعة أوكسفورد ما يقرب من تريليون 
دولار”. 
جاء إعلان مصنعي الـ جي بي تي 2،  بأن اطلاق البرنامج أمر خطير للغاية، هو عمل علاقات عامة وتسويق بامتياز، لكنه بالكاد مقنع. فقد حذرت شركة OpenAI من أن بالامكان استخدامه “لانشاء تقارير اخبارية مضللة”، والأمر الاكثر خطورة من المعلومات المضللة التي كتبت بطريقة غير متقنة من قبل الحاسوب، هي الـ Deepfakes الحقيقية الموجودة بوسائل الاعلام المرئية، فعند إنشاء مقطع مصور لا يمكن تمييزه عن الحقيقي، كأن يجعل شخصية عامة
، على سبيل المثال، تتفوه بكلمات لم تقلها على الاطلاق، وهو ما تتفق معه OpenAI على أنّه المشكلة الأكبر، التي ترى انه جاء للحد مما تدعوه “العناصر الفاعلة الخبيثة” من استغلال هذه التكنولوجيا، هو من خلال السعي لايجاد تدابير تقنية وغير تقنية، وهو أمر يشبه الى حد ما هندسة سلاح بيولوجي والترياق الخاص به في ذات الوقت، بدلا من الاكتفاء بعدم اختراعه في الأساس.
 
استحواذ الآليين
منذ ان عرضت مسرحية كارل تشابيك، “إنسان روسوم الآلي” العام 1921، تساءل الناس حينها، ان كنا سنسهم بخلق حياة اصطناعية ستعمل على محونا. وعلى وجه الدقة، فان احتمالية ان تقوم آلات يديرها الذكاء الاصطناعي، بتجريد الجميع من وظائفهم، اصبحت أمرا شائعا في يومنا هذا، لكن ما نحن بصدد الحديث عنه هنا، هو ليس استحواذ الآليين على الوظائف، بل لجوء أرباب العمل الى الاستغناء العمد عن موظفيهم واستبدالهم بآلات أرخص 
ثمنا.كم يتوجّب علينا القلق حيال هكذا احتماليات التي تعتمد على رؤيتنا للثقافة اساسا، فالهالة الكبيرة التي تحيط بكاتب نصوص الـجي بي تي2، هي واحدة من الاعراض على اننا، ولدرجة ما، قبلنا بالوظائفية الفلسفية لوادي السيليكون، والتي ترى ان كل شيء هو مجرد بيانات. لكن الكتابة ليست بيانات، فهي وسيلة للتعبير، لديك ما تعبر عنه، لكن برامج الحاسوب التي تفتقر الى الاحساس، ليس لديها ما تعبّر عنه
، بعيدا عن حقيقة، انها لا تملك خبرة في الحياة لتخبرنا بأن الحرائق لا تحدث تحت سطح الماء، لكن في حال تلقت الحواسيب تدريبا على أكوام كبيرة من “المهملات” سيمكنها ذلك، بكل تأكيد، من إعادة خلط المهملات وخلق صيغ أكثر 
معادلية.
 
* صحيفة الغارديان البريطانية