محمد شريف أبو ميسم
بعد أنْ وافق الكونغرس الأميركي على اقتراح قانون ينهي الدعم العسكري الأميركي للتحالف الذي تقوده السعوديَّة في حربها على اليمن، هل ستنتهي هذه الحرب التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى المدنيين والعسكريين، ودماراً شاملاً للحياة في هذا البلد الذي وقع ضحية للصراعات الدوليَّة والإقليميَّة، فيما يتعرض نحو أربعة عشر مليون يماني لخطر المجاعة والأوبئة المختلفة بحسب منظمة الصحة العالميَّة؟
التوقعات ترجح استخدام “الفيتو” من قبل الرئيس الأميركي ضد هذا القانون وعدم التوقيع عليه، لأنه وبحسب تقارير يقلص صلاحياته المتعلقة بالحرب، إذ يمهل رئيس الولايات المتحدة مدة ثلاثين يوماً لكي “يسحب القوات المسلحة الأميركيَّة من الحرب التي تدور في الجمهورية اليمنيَّة أو التي تؤثّر فيها”، ومن المعروف ان ترامب يرفض بشدة المساس بصلاحياته، فضلاً عما سيلحقه هذا القانون من أضرار في ما حققه من صفقات تجاريَّة وعسكريَّة مع الحكومة السعوديَّة.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ القانون بعث برسائل عديدة، في مقدمتها إجماع أعضاء الكونغرس على رفض استمرار الحرب وعدم السكوت على ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، بعد أنْ حصلت الموافقة بغالبية 274 صوتاً بينهم ما لا يقل عن خمسة عشر نائباً جمهورياً مقابل 175صوتاً على مقترح القانون الذي سبق أنْ وافق عليه مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الداعمون للرئيس ترامب!.
الأمر الذي يبيّن حقيقة مفادها، إنَّ إقرار هذا القانون الذي يكشفُ عن تكرار التوافق بين الديموقراطيين وعددٍ كبيرٍ من الجمهوريين الأعضاء في الكونغرس بشأن مسار التعاون مع العربيَّة السعوديَّة بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول في تشرين الأول الماضي استناداً إلى ما يقال بشأن استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزيَّة، يكشف أيضا عن سيناريو ضاغط على المملكة السعوديَّة التي كانت مرشحة لعرض المشهد الأخير من مسرحية الربيع العربي لولا الصفقة التي تولى قيادتها الرئيس ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي أطلق عليها “صفقة القرن” بمشاركة حلفاء الدولتين في المنطقة وفي مقدمتهم مصر والأردن والكيان الإسرائيلي، والتي تمثلت في مراحلها الأولى في الإعلان عن مشروع “نيوم” الذي سيستقطب استثمارات تتجاوز نصف ترليون دولار، فضلاً عن برنامج الإصلاحات داخل المملكة والمتضمن بيع أسهم شركة النفط السعوديَّة “آرامكو” للشركات النفطيَّة العالميَّة، والذي واجه رفضاً من أفراد العائلة المالكة السعودية وفي مقدمتهم الملك سلمان، وعلى إثر ذلك الرفض كانت ردود “ترامب” المتشنجة، التي طالب من خلالها بدفع “الجزية” بوصفها ثمناً للحماية التي توفرها الولايات المتحدة للعائلة المالكة، إلا أنَّ اغتيال خاشقجي وما أعقبه من أحداثٍ شكلت سلسلة ضاغطة على قرار الملك فجاء هذا القانون الذي سيسقطه “فيتو” الرئيس ليشكل حلقة جديدة لهذا الضغط، في إطار تأكيد التزام “ترامب” بدعم حلفائه وهو يقف بوجه التيار المطالب بحظر توريد الأسلحة إلى المملكة، عبر منظمات حقوقيَّة في مقدمتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومطالبات رسميَّة دوليَّة، فضلاً عن مطالبات أعضاء من الحزبين في الكونغرس، ليكون “فيتو” الرئيس رسالة لحلفائه في المملكة، ها نحن ملتزمون معكم فأوفوا بوعودكم واطرحوا أسهم “آرامكو” للاكتتاب، وما الحرب على المدنيين في اليمن إلا أداة للضغط.