البصرة.. عروس الخليج

آراء 2023/01/22
...

 د. صادق كاظم 

قبل سنوات عديدة كتبت إحدى الصحف في المنطقة مقالا مغرضا ومدسوسا لكاتب مأجور بأن من يتجول في شوارع البصرة في تلك الأيام يسمع اللهجة الفارسية بوضوح، وأن أراضي البصرة ملوثة باليورانيوم، وأن الناس فيها لا يخرجون من بيوتهم بعد الساعة السابعة مساء، حيث تقوم عصابات خطيرة بقتل وخطف اي مواطن يصادفها في مثل هذا الوقت

إضافة إلى حملات دعائية وإعلاميَّة مضللة وضخمة حاولت بشتى الوسائل منع العراق من استضافة أي حدث رياضي أو سياسي بارز، يؤكد تعافي العراق واقتداره وأن الاوضاع فيه بعد الانتصار على عصابات داعش الاجرامية باتت مثالية وآمنة، بل وتفوق الأوضاع الأمنية والسياسية لعدة دول أخرى لا تعاني ما عانيناه من ارهاب.

نجاح العراق المذهل بشهادة الجميع باحتضان بطولة (خليجي 25) على أرض البصرة ومستوى التنظيم الاسطوري والرائع، الذي ظهر خلال حفل افتتاح البطولة قد أكد حقيقة مهمة بأن العراق قد تجاوز أخطر التحديات والصعوبات والعوائق، التي كانت تقف بوجهه في الماضي والتي أراد صانعوها من دول وعصابات تكفيريَّة وإجرامية بأن يبقى ضعيفا ممزقاً وغير مستقر. 

للعراق مكانةٌ بارزةٌ وتاريخٌ مميزٌ وغنيُّ ومؤطرٌ بالحضارات العريقة، التي صنعت للبشرية أولى خطواتها صوب التحضر والمدنية والعلم باعتراف وسائل الاعلام الاجنبية والعربية، التي كتبت بدهشة وهي تشاهد آلاف الخليجيين وهم يقصدون أرض البصرة لحضور افتتاح بطولة كروية غابت عن ارض العراق منذ عام 1979 بعد صعود الطاغية المقبور إلى السلطة، بعد هذا الحدث بعام واحد وقيامه بتدمير البلاد والانجازات والمكتسبات التي تحققت على يد الحكومات السابقة، التي تركت إرثا غنياً من البناء والثقافة والتعليم والتمدن وعلاقات جيدة ومستقرة مع دول الجوار والمنطقة، إذ إن ذلك كله قد جرى نسفه وتدميره من قبل طاغية أرعن، كان لا يجيد سوى صناعة الدمار والموت والحروب والمغامرة بمصير البلاد وشعبها، مما تسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة، ما زلنا نعاني منها حتى اللحظة.

عانت البلاد بعد العام 2003 من فقدان واضح للأمن والاستقرار، نتيجة الاخطاء الكارثية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركية ودخول أكثر من 15 ألف ارهابي عربي وأجنبي إلى البلاد، بطريقة مشبوهة، وتعرض البلاد إلى أكبر تسونامي ارهابي في تاريخ العالم سقط فيها اكثر من ربع مليون مواطن عراقي ضحايا لتلك الأعمال في ظروف كانت تجعل من الخلاص من هذا الوضع أمرا صعبا، بل يكاد أن يكون مستحيلا، لكنَّ العراقيين بصبرهم وشجاعتهم وايمانهم تمكّنوا من دحر الإرهاب وهزيمته.

احتضان البصرة والعراق لبطولة الخليج 25 يمثل رسالة مهمة، بأن العراق له مكانته البارزة والمهمة، بل وخطوة أولى نحو قدرته على تنظيم بطولات أخرى أكبر وأكثر أهمية واتساعا، خصوصا ان الصورة أصبحت واضحة تمام الوضوح بأن دعم العراق من قبل أشقائه وجيرانه الخليجيين بالذات هو مكسب لهم وتعزيز لأمنهم واستقرارهم، بل والمشاركة أيضا في عمليات البناء والإعمار والاستثمار المالي الواسع في مختلف مفاصل القطاع الاقتصادي العراقي، الذي يمثل خزاناً بشرياً وصناعياً وزراعياً ضخماً لدول الخليج، يمكن أن يسهم في تلبية احتياجات تلك الدول من مختلف السلع الصناعية والزراعية، من خلال موقعه الجغرافي القريب والملاصق لتلك الدول.

والدرس الاهم من ذلك كله أنها وطدت العلاقات بين الشعوب الخليجية والشعب العراقي، وأكدت معاني الاخوة والمحبة التي يكنها العراقيون لأخوتهم من أبناء الخليج، من خلال الحفاوة الكريمة، التي قام بها العراقيون وصور ومشاهد الاحتضان والتكريم لجحافل الوافدين من المشجعين، وما لا قوه من احتفالات ومظاهر استقبال، ستبقى ماثلة في أذهان الجميع لفترات طويلة وهو ما أثار ولا يزال اعجاب وثناء المواطنين من دول الخليج. 

البصرة اليوم تسمع فيها اللهجات العراقية والعربية الخليجية بوضوح وأهلها وزوّارها يسهرون بأمان واطمئنان حتى الفجر من دون وجود شرطي واحد في شوارعها، رغم أنف تلك الصحيفة وكاتبها المرتزق والمتسول.