د. فاضل البدراني
إجابة كانت مباشرة وبقوة صوت الشعب البالغ (42,5) مليون عراقي عندما ينطق بلسان وطني واحد، نحن نبحث عن الفرج والانفتاح الإتصالي، هذه صورة العراق في بطولة خليجي 25، الذي انتصر رياضيا واجتماعيا وأمنيا وسياحيا، وقدم صورة انسانية حضارية سلمية ناجحة لكل من زار البلاد في هذه البطولة التي أقيمت في بصرة الكرم، واستمرت حوالي 20 يوما.
محافظة واحدة هي البصرة 500 كلم جنوب العراق، تحملت كل ضيوف البلاد بل، وضيوفها من المحافظات الأخرى، وقدمت صورة مشرقة نيابة عن كل العراق، تحمل كرامها من بسطائها وأثريائها وفنانيها ورياضييها وموظفيها، من نسائها ورجالها، ابتداءً من أم حيدر صاحبة القيمر الى الكابتن هادي أحمد، ومن الطفل الصغير الذي رفض أخذ ثمن فنجان قهوة في برنامج المجلس الى فنانة الشعب رحمة رياض، من صاحب المطعم والكافتيريا والخباز والعطار، والفنان والشيخ، من كل أرض البصرة، من شط العرب، ومنتجع العشار الى الهور قالوا، احنا العراق.
كلهم نطقوا ورحبوا وهللوا للضيوف «عين غطا، وعين فراش» فعلوا بأكثر مما قالوا.
حتى انتبه الإعلام العربي الى بث أغنية الفنان الكبير حسين الجسمي» كلنا العراق ... فيه أهلنا، صوتنا وأملنا».
ولكل حقبة زمنية سماتها، ومن المفيد على المجتمعات البحث عن عوامل القوة المؤثرة، التي تمتلك قدرة في صناعة التحول للذهنية المجتمعية نحو اتجاه آخر، أو نهج جديد، ومحاولة إخراجهم من الحالة السلبية، أو الصورة التي تأخذ من المجتمع أكثر مما تعطيه، الى الحالة الإيجابية المستقرة التي يتحقق فيها الانفتاح والتفاعل بين أفراد المجتمع الواحد، ثم الانطلاق نحو المجتمعات الخارجية، فالركود بالنسبة للشعوب سجن، وتعطيل لكل الفعاليات الاجتماعية، وفي الواقع كانت حالة العراق على مدى عقدين من الزمن حالة استثنائية، انقطع فيها الاتصال مع أقرب البلدان التي يلتقي معها أبنائه بمشتركات الأخوة والدم والتاريخ والجغرافية والمصير الواحد، وهذه القوة بلا شك في عالم اليوم تتجسد ب « الإعلام» هذا الفضاء والقوة الفكرية الخطيرة عندما داهمت العراق بلسان الغرب عبر وسائل إعلامه قبل الغزو والاحتلال الأميركي- البريطاني مطلع 2003 لوثت كل شيء فيه، وأعطت عن هذا البلد الحضاري، صورة من صور الكراهية والعدوانية بعكس ما هو عليه تماما.
اليوم العراق أمام حالة جديدة من التحول والنهج الجديد، ينبغي على الإعلام الوطني والعربي الجاد، أن يتحدث عن إشراقة العراق، عن انسانيته وسلميته، عن جماله وكرمه وعظمة حضاراته وغنى تراثه، عن كل هذا الجمال الذي يبهر الزائر.
وبحكم مسؤوليتي كناقد إعلامي وأكاديمي عراقي، أقول إن برنامج «المجلس» في «قناة الكاس القطرية» الذي يعني بالشؤون الرياضية، ويقدمه الإعلامي القطري خالد جاسم، وعلى مدى20 يوما يتواجد بالبصرة، نجح بتقدم صورة إيجابية حقيقية عن العراق، ما لم يقدمه الإعلام العراقي- العربي بكل ألوانه عبر سنوات، وبدل صورة هذا البلد حتى في عقول كثير من أبنائه الذين استمرؤوا العيش بالواقع السيئ لسنين طويلة.
فرسالة البرنامج هذا، ومقدمه وضيوفه، اختارت منهج صحافة الحلول التي تبتعد في أدائها عن طرح الصورة الرمادية، كونها ركزت على إبراز الصورة الاجتماعية ببعدها الإنساني، ووجهت عدسة الكاميرا على الحقيقة التي جعلت المجتمع يشعر بها، ويسير بهديها، بخلاف صحافة السلبيات، أو صحافة الصورة القاتمة التي دأبت على نقلها أغلب وسائل الإعلام بطريقة تقتل الناس، وتفرغ الأمل من عقولهم، وتلوث صورتهم أمام الجميع، كما فعل ذلك الإعلام الغربي بشيطنة العراق في العقود الأربعة الماضية.
أكاديمي وكاتب عراقي