مارتن تشولوف ترجمة: بهاء سلمان
في مكان تقول عنه الحكومة البريطانية انه يبقى من الصعب للغاية على الدبلوماسيين الوصول اليه، حضر اليه عشرات من موظفيها خلال السنتين الأخيرتين، على أقل تقدير.
وكوّن ضباط المخابرات البريطانية، اضافة الى جنود وقادة القوات الخاصة المحمولة جواً علاقات قوية مع المسؤولين الأكراد المحليين ضمن منطقة شمال شرقي سوريا، حيث يقع مخيّمان للاجئين يكتظان ببقايا الدواعش. وبعيداً عن خطوط المواجهة الأمامية المتقلصة، تبقى بقية منطقة “روجافا” هي الأكثر أمناً داخل بلد مزقته الحرب، حيث مئات عمال الاغاثة والمراسلين الصحفيين يعملون بحرية نسبياً، فمنطقة روجافا، كما تعرف لدى السكان المحليين، والتي تمثل الادارة الكردية لشمال سوريا، هي مكان يمكن تأدية العمل فيه طالما كانت هنالك ارادة لفعل ذلك.
وتمثل البيروقراطية الخانقة، مع المسافات الشاسعة لطرق وعرة كثيرة المطبات، أكبر العوائق لأجل دخول المخيّمين الذين تحوّلا الى مراكز احتجاز لرجال ونساء وأطفالهم من المرتبطين بتنظيم “داعش” الارهابي. ومع انهيار ما يسمى بـ”دولة الخلافة”، تم اسكان الرجال الفارين في مخيّم روج القريب من الحدود العراقية الشمالية، أما النساء فتم نقلهن الى مخيّم الهول الكائن جنوبي مدينة الحسكة.
أعداد متزايدة
ويكتظ كلا المخيّمين بوافدين جدد مع تدفق هائل أكثر من المتوقع قادم من الباغوز، وهي البلدة الأخيرة التي كانت الى ما قبل أيام تحت قبضة التنظيم الارهابي عند أقصى الشرق السوري، حيث يقدر ترحيل بنحو 25 ألف شخص لكل مخيّم خلال الأسابيع القليلة المنصرمة، بينهم مئات الأطفال، العديد منهم حديثو الولادة، ومئات النساء في أشهر الحمل الأخيرة.
يتعرض الشباب وكبار السن والعجزة لاعتداءات داخل المخيّمين، كما تغمر مياه الأمطار أرضية المخيّمين منذ بداية كانون الثاني؛ ويفتقد الأطفال بشكل خاص للملاذ الواقي من برد قارس وصعب، مع هبوط درجة الحرارة ليلاً الى أقل من درجة التجمّد بشكل منتظم خاصة خلال أيام الشتاء الأخيرة، أما التدفئة فعبارة عن نار مكشوفة بدخان قاتل.
وكانت “شميمة بيجوم”، البريطانية الجنسية، قد تم ترحيلها من مخيّم الهول الى روج بعد أيام قليلة من ولادتها لطفلها الذكر في شهر شباط الماضي، ومات الطفل بعد اصابته بالتهاب رئوي، وتم دفنه بجوار طفلين آخرين ماتا حرقاً. وبحسب منظمة لجنة الانقاذ الدولية، توفي على أقل تقدير مئة طفل آخرين اثناء الانتقال الى مخيّم الهول، أو داخله، فقد انتهت حياة معظمهم بسبب خليط من سوء التغذية وانخفاض حرارة الجسم. وتشير تقارير المنظمة الى أن 240 طفلاً وصلوا الى المخيّمين منفردين بلا مصاحبة من ذويهم.
وبشكل عام، ينظر للأطفال في كلا المخيميّن بوصفهم من أكثر المعرّضين الى الاعتداءات، وكبرت محنتهم بسبب عدم ابداء حكومات آبائهم أية رغبة باحتواء مشاكلهم، فمع مطالبة بيجوم، التي تنكرت للقيم البريطانية، بالسماح لها بالعودة الى الديار، فقد أبلغت بأمر وزير الداخلية البريطاني بسحب الجنسية منها، وهي خطوة تركت ابنها وسط حالة من الغموض، ليعفي الحكومة البريطانية من أية مسؤوليات قانونية فورية لحقوق الابن في الرعاية الاجتماعية؛ أما الالتزام الأخلاقي، فيبقى يمثل شأناً آخر.
اهمال متعمّد
ومع استثناء فرنسا، التي أبدت بعض الاهتمام بإعادة الأطفال المولودين من أب فرنسي، لا توجد حالياً أية حكومة مستعدة للقدوم من أجل هؤلاء الأطفال. أما موقف كندا فكان يشترط وصول مواطنيها الى أية قنصلية كي يتم استقبالهم، ما يجعل الأمر شبه مستحيل للنساء القابعات قيد الاحتجاز، فعليهن أولاً الهروب من المخيّم، ومن ثم عبور الحدود بوسيلة ما صوب تركيا أو العراق أو الأردن أو لبنان، مصطحبات أطفالهن، متملصات من احتجازهن طوال الطريق.
وتشير التقديرات الأقرب للدقة لكبار مسؤولي الاغاثة في مخيّم الهول، والمناطق الأخرى المحيطة بروجافا، بوصول عدد الأطفال المولودين لآباء من جنسيات أجنبية والمعرضين الى خطر الموت أو الاصابة بالأمراض الى نحو ثلاثة آلاف طفل، غالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، لديهم حقوق شرعية بديهية بالحماية تمنح بشكل طبيعي للمواطنين، ولا يتحمّل أي أحد منهم التبعات القانونية لآبائهم، وبعضهم سيواجه اتهامات جديّة اذا ما عادوا الى الوطن.
ومات ابن بيجوم الرضيع ببطء على مدى أيام، حيث عجزت رئتاه الهزيلتان على التكيّف مع الأجواء الباردة والرطبة، ولاحقاً صار جسمه أزرق اللون، ونقل بسرعة الى المستشفى، ليتوقف عن التنفس في نهاية المطاف. وكان طفلا بيجوم، التي لا تتجاوز 19 سنة، المولودان لها من زوجها الهولندي، قد توفيا في ظروف مشابهة قبل استسلام الزوجين. وتقول أمهات أخريات أنهن يخشين نفس المصير مع كفاحهن لابعاد أطفالهن من الظروف القاسية التي يمرون بها، ولفت انتباه حكوماتهن لمعاناتهن. تقول احدى النساء الكنديات من مخيّم الهول: “ما يحصل لي حالياً أمر مؤلم، لكن الأطفال أبرياء، وارجو ان تجدوا لهم وسيلة لبقائهم على قيد الحياة.”