تـــاتــــو

ولد وبنت 2023/01/23
...

  عواطف مدلول 


لم تستطع أن تنام ليلتها من شدة الألم في كتفها، الذي رسمت عليه تاتو قبل أسبوع، حيث أصبح يقلقها جدا الورم، الذي ظهر فيه منذ أول جلسة وأخذ يتزايد يوما بعد آخر، رغم أنها حاولت أن تطبق جميع التعليمات التي كتبتها (الوشامة) لها، بورقة خاصة لكن قطعا أنها نسيت أهمها من دون قصد طبعا، بحيث يجب عدم ملامسة مكان الوشم، وتجنب استخدام الماء والصابون، لمدة لا تقل عن عشرة أيام على الأقل، مع الالتزام بـ(الكريم)، الذي يمنع التهابه ويشافيه سريعا. 

(يبدو أن الحظ التعس لن يفارقني مدى الحياة)، همست بصوت مختنق بالبكاء، لكنه مسموع في اشارة لذهنها باسترجاع معاناتها الطويلة من الذاكرة، وبملامح عابسة نظرت في المرآة الأرضية المزخرفة بغرفتها محدثة نفسها: 

الجرح الذي تركته بداخلي حادثة الحرق البشعة، التي تعرضت لها في طفولتي، أعمق من أن يفهمه أحد غيري، حتى عندما وجدت أملا في ترميمه بعد أن أضحى الوشم وسيلة لعلاج التشوهات الجلدية في اي مكان بالجسم، فأني ما زلت أعيش مقاساة أوجاع تلك الإصابة.

 لم تنجح مختلف الحلول بتحريرها من مشاعر الحزن التي رافقتها اكثر من عشرين عاما، وتطهيرها من نظرة الكراهية لجسدها فبقيت غارقة بعلاقة العداء الأزلي معه، والرفض الدائم له حيث لم تتمكن من هدم الحواجز بينها وبينه لتتقبله وتحبه كما هو، فقد اهلكتها محاولاتها البائسة للتصالح مع آثار (القبح ) فيه، من خلال اخفائها أو محيها بوصفات شتى كثيرة اتبعتها دون جدوى. 

اتصلت بالوشامة في مركز التجميل لتعلمها بأنها في حالة سيئة بسبب عدم حصولها على نتيجة مرضية، كما كانت تتوقع بناءً على وعودها لها، وتخبرها بأنها تخشى أن يتطور الامر للدرجة التي تستدعي مراجعة طبيبها، معترفة بالخطأ الذي ارتكبته دون استشارته، قبل الإقدام على تلك الخطوة، فحصلت مشادة كلامية بينهما، كادت أن تفقدها أعصابها ما دفعها لإنهاء المكالمة فورا، اتقاء أن تبدر منها ألفاظا غير لائقة في لحظات غضب وانفعال.

احساس الذنب الذي راودها جراء تصرفها الانفرادي لفك عقدتها بالنقص، اباد فرحتها الكبيرة حينما عرضت عليها أشكال الأوشام، ووسط حيرة الاختيار ما بين صور الفراشات واجنحة الملاك والورود، وغيرها كثير من (الطبعات)، نبهتها الوشامة على أن بعض الرسمات موضتها تكاد 

تنتهي.

 تمنت لو أن بإمكانها الطيران مع اجنحة الفراشات أوالملائكة والطيور وكذلك الريش، ليقع عنها ذلك الثقل الذي حملته على ظهرها منذ الصغر، هروبا من مواقد النار، المدفاة أو (الصوبة) التي تحلو فوقها أواني الماء بالهيل (القوري) لإعداد الشاي بأمسيات فصل الشتاء، حيث لم تفلح تحذيرات أسرتها بمخاطر الاقتراب منها، اثناء اللعب بصحبة شقيقها عندما كانت بعمر الخمس سنوات، في حمايتها من الماء الساخن، الذي انسكب عليها بإحدى الليالي، التي تحولت حياتها فيها رأسا على عقب، وكتب لها مصير مشؤوم، فبعد انقاذها من الموت بقدرة إلهية، خلقت مجددا لكن بعيب أبدي في جسدها.