صالح لفتة
فكرة تأسيس صندوق سيادي عراقي تطفو للسطح كل فترة، وتتخذ المناقشات حولها طابع الجدية من قبل الإعلام والاقتصاديين والسياسيين، وأفراد حريصين على البلد، ثم تخبو وتَنْدَرس وتبقى دون تنفيذ لأسباب مجهولة، أو لعدم وجود إرادة حقيقية لحفظ أموال البلد. فالنفط معرض للنضوب أو انخفاض أسعاره بشكل كبير لأي سبب، ما يعني أن العراق إذا لم يحفظ الفوائض المالية الحالية أو نسبة معينة منها، فإن حياة الأجيال القادمة ستكون صعبة. صندوق أجيال أو تنمية أو سيادي أو صندوق استثمارات، لا تهم التسمية بقدر الغاية والهدف من التأسيس وهو حفظ الفائض من أموال العراق، وتوفير جزء من أموال واردات النفط أو الثروات الطبيعية الأخرى لمن يأتي بعدنا، وتنمية تلك الأموال وكسب مردود اقتصادي منها وصنع نفوذ عالمي من خلالها. قوة الدول في ما مضى كانت تقاس على أساس عدد الجنود وكبر المساحة، وهذه مع بقاء تأثيرها نسبياً برزت عوامل أخرى أكثر تأثيراً تحدد حجم النفوذ والحضور في المشهد الدولي وهو العامل الاقتصادي، والأموال التي توظفها الدول في الأسواق العالمية، والدليل هناك دول حجم مساحتها أقل من مساحة العراق كثيراً، لكن لها تأثير في الملفات الدولية أكثر من العراق بالأضعاف، بسبب حجم الأموال التي تمتلكها واذرعها الاستثمارية في كل العالم التي تهدد بسحبها في حال عدم الاستجابة لرؤيتها أو إعطائها ما ترغب فيه.
هذه الدول وارداتها أقل من واردات العراق لكنها عرفت كيف تدير وتستثمر تلك الواردات وتحافظ عليها.
تأخر العراق كثيراً في توظيف أمواله، وأنسب وقت هو الآن للبدء في إنشاء صندوق سيادي للعراق واستثمار المليارات المتراكمة الموجودة في خزينة الدولة، بسبب الزيادة الكبيرة لأسعار الطاقة عالمياً، وعدم إقرار الموازنة العامة في السنة السابقة، ما يعني أن ما موجود من أموال أكثر من ما تحتاجه الموازنة في العام المقبل، وهناك فوائض يمكن تحويلها لصندوق الأجيال في حال إنشائه والبداية بمبلغ ممتاز.
وبأموال صندوق الأجيال نستطيع دخول جميع الأسواق العالمية والمشاركة في رؤوس أموال الشركات الكبرى، والاستثمار في الزراعة والتجارة والتكنولوجيا، وبالتالي تأمين مستقبل أفضل للبلاد من خلال توفير الغذاء، الذي تحتاجه وتطوير مهارات المواطنين من خلال المشاركة والعمل في تلك الشركات، وتحقيق واردات العراق من غير النفط. البرلمان والحكومة مطالبان معاً بالشروع بجدية بإنشاء الصندوق السيادي، وعلى الخبراء الاقتصاديين إبراز أهميته الكبيرة للعراق، وعدم المساس بحصته من إيرادات النفط، لأي سبب والاطلاع على التجارب الدولية المتبعة وبالذات دول الجوار في إنشاء صناديق سيادية، وأن تكون إدارة الصندوق مستقلة ونزيهة تشرف عليه جهات عدة حتى لا تكون أمواله نهباً وتنتفي الغاية من إنشائه وتورث الأجيال القادمة، دولة مفلسة مكبلة
بالديون.