الدولة بين الإقصاء والديمقراطيَّة

آراء 2023/01/24
...

 غازي فيصل 


يتمثل الإقصاء السياسي في إنكار حقوق المواطنة، بكل أشكالها مثل المشاركة السياسية، حيث يرى بعض علماء الاجتماع بأن الإقصاء السياسي، يتضمن سلوك النظام الحاكم والذي لا يتحلى بالحيادية أو تقبل الصوت المعارض، بل يعمل لصالح الفئات المهيمنة في المجتمع لحد إلغاء الآخر، وهذا يؤثر في المجتمع بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة، وقد يكون علاقات قوة غير متكافئة في التفاعلات الاجتماعية والسياسية، ما ينتج عنه تمزق في العلاقات بين فئات المجتمع الواحد، وقد يسبب صعوبة في الاندماج بين السلطة الحاكمة والشعب، فهذا سوف يعزز مفهوم العلاقة الوثيقة بين الاقصاء السياسي والصراع وانعدام الأمن احيانا، لذلك يكون الوعي بالاقصاء وعدم المساواة الخطوة الأولى لأي حراك سياسي اجتماعي.

قد ينتج عن الإقصاء صراع اجتماعي وسياسي أو ديني وطائفي أو قومي، لأنه ينفي الآخر ولا يعترف به متجاهلا مواطنيته.

عادة من يمارس الإقصاء، يعتقد أنه المالك الوحيد للحقيقة والحق وغيره على باطل، الاقصاء يقود إلى تفكك المجتمع وإشاعة الكراهية والحقد، وقتل الإبداع وإعلان الحرب على التنوع والدفاع المستميت عن الواحدية في الفكر حاملو مسطرة الإقصاء يدافعون عن الواحدية، الاقصائيون يشكلون خطرا على الفرد والمجتمع، (لأن الانسان الذي يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة هو انسان شديد الخطر، لأنه يرفض الحوار مع الآخرين، ولا يأخذ بعين الاعتبار حقائقهم وعقائدهم، وبالتالي حرياتهم على ضوء الشك بحقيقته هو)، ولا يعلم أنه ليس وحده في هذا العالم بل له شركاء، الكون دونهم يصبح جحيما يقول الفيلسوف الفرنسي نيقولا مالبراش “أكبر عقاب لي أن أعيش وحيدا في الجنة”.

بعضهم لا يحترم تعدد وجهات النظر، وهو العقل الايديولوجي المتحجر الذي لا يختلف عن عقل المتطرف التكفيري، من يختلف معنا ليس بالضرورة أن يكون عدوا لنا، بل هو مختلف معنا في الدين أو القومية أو الطائفة.

يعد بناء مؤسسات الدولة الحديثة القوية شرطاً ضروريا لبقاء الدولة والحفاظ عليها من الانهيار، كما تمثل أساسا متينا لرعاية الديمقراطية وترسيخ تجربتها بواقع الحياة الإجتماعية والسياسية. وبالنظر في واقع العراق يتضح أن التجربة الديمقراطية العراقية ظلت تراوح مكانها مقتصرة على الممارسات الشكلية والديكورية، التي لا تغني نفعا في واقع التداول وسلاسته، حيث كان لمتغيرات ثقافة الإقصاء تأثيرها الكبير فشلاً وتعثراً على مجمل التجربة الديمقراطية. 

وبما أن الدولة تعتبر انعكاسا للمجتمع وللثقافة التي تأسست فيه كجهاز يحتكر السلطة، فمن دون وجود الدولة ومؤسساتها الراسخة، لا يمكن أن تقوم أي ديمقراطية حقيقية، ولذلك لم تنشئ الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي وفق أدوات ديمقراطية ولم تحمل في برنامجها مشروع ديمقراطي، ولكن اتصفت بسلوكيات وممارسات تسلطية شمولية لثقافة اقصائية عقيمة، تؤجج الصراعات وتفرغ الديمقراطية من مضمونها وأهدافها بممارسات ديكورية، ما يحول دون استكمال بناء الدولة وتجذر التجربة الديمقراطية في الواقع العراقي الهش

 والمضطرب.