علي المرهج
اهتم أغلب الفلاسفة بالرياضة وعدّوها من مقومات بناء الوعي العقلاني السليم، على قاعدة “لعقل السليم في الجسم السليم”. تُحقق الرياضة وظائف عدة أهمها: الترويح النفسي وتنمية الشعور النفسي بالراحة والانسجام الذاتي، وهي في الوقت ذاته تحقق الانسجام المجتمعي، وتكشف لنا عن توافق وقيم اجتماعية مشتركة تُعيد إنتاج الهوية الفردية والمجتمعية على حد سواء. لذلك نجد أن في الراياضة ما يجمع بين أطياف المجتمع ولا يُفرق، وهي أي الرياضة في الوقت ذاته إن عرفت الدول أهميتها ستكون لها مردودات اقتصادية كبيرة، تضاهي مردودات السياحة.
في الرياضة كما بدا لنا في خليجي 25 إمكانية استنهاض الهوية الوطنية وتغييب لهيمنة الهوية الفرعية. ولا يخفى علينا قيمتها الجمالية في الكشف عن عوالم الإبداع في الفن ومجالات الحياة الأخرى.
في الرياضة جوانب أخلاقية تكشفت لنا في خليجي 25 أهمها قبول التعددية والتنوع والإعتراف بالآخر المختلف، فضلًا عن إعاة إنتاج قيمنا الأخلاقية في الكرم والترحاب والضيافة التي تحدثت عنها كانت، وتجلت عندنا في البصرة، لا لتتمثل في ضيافة الغريب، بل لجعل الضيف هو رب المنزل، على قاعدة (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل).
تجلت في الرياضة قيمة إنسانية وأخلاقية أعلى ألا وهي نسيان الصراع الأثني والمذهبي، بكل ما جلبه لنا من دمار في عراقنا المعاصر، لنجد ابن الغربية وابن شمال العراق ووسطه يجتمعون في البصرة، ويفيض كل واحد منهم على الآخر بكرمه على أبناء العراق بكل أطيافه، بل ويجتمعون في أن يكون أهل بيت واحد، ليستقبلوا ضيوفهم من أبناء الخليج العربي.
كانت هناك في خليجي 25 علاقة تكاملية بين الروح الأخلاقية والروح الإنسانية المجتمعية العراقية، لتلتقي مع الروح الإنسانية المجتمعية العربية، ويلتم الشمل العربي للكشف عن قيمة الجمال لا في الرياضة ولعبة كرة القدم فحسب، بل في الموسيقى والفن والكشف عن مواطن الإبداع الفني في العراق عامة والبصرة على وجه الخصوص.
كانت عندنا أغنية أيام النظام السابق مشهورة للملحن فاروق هلال وهو المؤدي لها (إن تكن لعبة لهم فإنها لنا قتال). في خليجي 25 أثبت العراقيون والخليجيون أن كرة القدم لعبة، غايتها ليس القتال، إنما التنافس في من يكون الأفضل في قبول (الآخر)، لا سيما إن كان هذا (الضيف) مقبلا لك ويصطفيك لا لتجعل اللعب معه قتالا، إنما لتعملا معًا على إيجاد حياة ملؤها المحبة لا القتال، تنفعنا في بناء مستقبل أفضل نتنافس فيه وعليه لنحقق ما هو أنجح للمنافس لنا أحيانًا.
الرياضة كما وجدتها عند العراقيين نشاطا بدنيا لتفريغ طاقات مكبوتة، ما أن يُفرغها الفرد العراقي، ستجده يُحقق التوازن النفسي في ذاته لينعكس إيجابًا في التعامل مع الآخر المختلف
معه.
كشفت لنا الفلسفة البراجماتية عن قيمة الرياضة في تنمية الشعور الإنساني بالسعادة، لأنها تعمل على الترويح عن النفس كما ذهب إلى ذلك (جون دوي)، وتجعل الطفل يشعر بجدوى المعرفة إن كانت متوافقة مع إدراكنا للقيمة التواصلية في المعرفة بين الفكر والعمل، وكل فكر لا يجعل للتربية البدنية قيمة عملية إنما هو فكر سيضمحل ولو بعد حين.
ذهب (وليم جيمس) فيلسوف البراجامتية وجوهرهتها كما وصفه (تشارلس بيرس) مؤسس الفلسفة البراجماتية إلى القول:”إن قيمة القضية في الثمار المُتأتية من تبنينا لها”، وبالقياس إلى نصه هذا ما تُقدمه الرياضة من شعور بالطمأنينة والراحة والسعادة، ستكون قضية الرياضة من القضايا النافعة، لأنها تقدم لمن يتبنونها طمأنينة وشعورا بالسعادة، لأن (وليم جيمس) يُرادف بين ما هو نافع وما هو نافع، أي ما هو نافع فهو صادق، والعكس صحيح.
بمعنى أن فوز المنتخب العراقي في كرة القدم يعيد لنا قول الفلسفة البراجماتية بأن “قيمة القضية في الثمار المتأتية من تبنينا لها”، لذلك علينا أن ندعم الرياضة لأنها حققت لنا ما لم تحققه السياسة، وكل مؤتمرات الحوار الوطني في تحقيق اللحمة الوطنية وإعادة استحضار الهوية العراقية وقيم التعايش السلمي والعيش
المشترك.