نرمين المفتي
يبدو أن القاص زكريا تامر استثمر مهنته كصحفي لمراقبة كيف تدير الحكومات شعوبها السيطرة عليها في العالم الثالث خاصة، ومن ثم ليكتب قصته الخالدة (النمور في يومها العاشر) والتي صدرت بعد نشرها في الصحف، ضمن مجموعة قصصية حملت عنوانها في 1978..
ويبدو أن السياسة في هذا العالم الذي يصر أن يبقى ثالثا وألا يتقدم، في الأقل بالتعامل مع شعوبها، من خلال استمرار حكوماته ذلك المروض الذي في القصة والذي ينجح في ترويض النمر في عشرة أيام، من خلال تجويعه ليطيعه وينفذ طلباته المهينة لكرامته. “وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم. قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش. ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً.” ويعلن المروض متباهيا نجاحه امام الذين يتجمهرون حوله ليتعلموا مهنته.. وفي الفقرة الاخيرة من القصة، نقرأ، “وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة”.
إنَّ مصطلح (العالم الثالث) لم يعد مستخدما منذ عقدين أو أكثر في الأدبيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولية. فقد تيقن مبتكروه أن شعوبا بعينها ضمن هذه المنظومة اقتنعت أن لا خلاص لها من مصيرها، تماما مثل ذلك النمر، وهذا كان الهدف المطلوب، لأسباب من أهمها كونها تنتمي لدول ذات اهمية جغرافية أو موارد طبيعية يحتاجها العالم الأول.. ولو تراجع هذه الشعوب أحلامها، ستجد بأنها استمرت تتنازل عنها فقط لتستمر في الحياة وكانت دائما تقبل بعد تجويعها، بما اعتبرته سياسات محلية مهينة.
سبق وإن أشرت بأنني اكتب المقال الذي يصدر الخميس في يوم الثلاثاء، لذلك لا أعرف إن كانت التظاهرة التي من المفترض أن تجري يوم (غد) الاربعاء أمام البنك المركزي العراقي، قد تحققت. بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم استقراره وان بدأ ينخفض (مع كتابة هذا المقال) ايضا ولكن ليس إلى السعر الذي استمر مستقرا لسنوات عديدة وهو (1180 - 1120) دينارا للدولار الواحد، قبل ان تقوم حكومة الكاظمي وبدون اي اعلان مسبق رفعه إلى (1460) دينارا لكل دولار واحد! لا أعرف ما هي مطالب المتظاهرين وأي سعر صرف يطالبون به، ولكن يبدو من خلال البرامج التي تستضيف خبراء ومحللين وسياسيين، وبينهم من كان ضد السعر التي فرضته الحكومة السابقة والذي ساهم بشكل واضح في رفع اسعار المواد المختلفة وخاصة الغذائية، وبالتالي ارتفاع نسبة العراقيين الذي تحت خط الفقر، ان السعر المطلوب وهنا المفارقة هو السعر الذي وضعته الحكومة الماضية والذي جميعا رفضناه! نشعر بالغضب حين نسمع تصريحات، الان، تدين بيع مئات الملايين من الدولارات في مزاد العملة يوميا وتتساءل عما كان يتم استيراده للعراق ازاء هذه المبالغ الضخمة! وسبب الغضب أننا كتبنا كثيرا، سواء في الصحف أو في مواقع التواصل الاجتماعي مبكرا جدا نتساءل عما يتم استيراده؟ وطبعا غالبا كانت الاسئلة بلا اجوبة وحتى الان لا نعرف ان كان جوابا سمعناه حينها، نكتة سوداء أو حقيقة وكان انه تم استيراد حلوى (حامض حلو)! وغيره من المواد غير الضرورية! طالبنا بمراقبة المتعاملين بالمزاد ومراقبة ما تدخل الاسواق العراقية من مواد غذائية أو بناء أو غيرها وحذرنا من غسيل الأموال والتهريب، ولكن من يقرأ؟ وأدهشني أو بالأحرى فجعني سياسي، وهو يقول في برنامج حوار تلفزيوني بأن المحاولات مستمرة وستنجح باعادة سعر الصرف إلى (1460) دينارا لكل دولار واحد، وهو السعر الذي رفضه هذا السياسي وغيره ورفضناه جميعا، كما اسلفت، ولم يجد ما يبرر به القبول بهذا السعر الذي فرضته الحكومة السابقة وعدم العودة إلى السعر الذي استقر لسنوات، ببساطة ولكن باحراج ايضا، قال “الله كريم”..