فرح قصير

آراء 2023/01/26
...

 د.عبد الخالق حسن


قبل يوم 19 - 1 - 2023، كان جميع العراقيين، وحتى العرب، يتفاعلون مع الحدث الرياضي الفارق الذي احتضنته البصرة، أعني هنا خليجي 25. مستويات التفاعل، وتصنيفاتها كانت تتدرج وتتفاوت وتتنوع بين من تفاجأ بقدرة البصرة والعراق على تنظيم البطولة، وبين من اكتشف العراق بعد أن غاب لسنوات طويلة خلف وجه القلق والخوف، بسبب الصناعة الإعلامية النمطية التي أرادت للعراق أن يظل مصدر خوف لكل من يفكر بالمجيء إليه وطرق أبوابه.

انتهى الحدث، وفاز العراق ومنتخبه بكل شيء. لتنهال بعدها الدعوات للمنتخب وملاكه التدريبي في زيارات واحتفاءات وتكريمات من قبل شخصيات متنوعة لها ثقلها في الشارع والسياسة.

لكن الذي حصل، أن المزاج العراقي المتقلب شن حملة قاسية على لاعبي المنتخب، وصلت حدَّ الشتائم والتجاوز عليهم، ووصفهم بأقذع الأوصاف وأكثرها تطرفاً. كل هذا بسبب ما يراه الشارع أنه أمر غير صحيح، أو غير محبب. وهو سلوك غريب حقاً ابتعد فيه الكثير عن المروءة والاحترام.

كل هذا هو نتيجة لانعكاس السياسة على حياتنا وتفاصيلها اليومية، حتى رأينا التنازع بين جماهير الأحزاب، وحتى المستقلين، على جولات المنتخب التي استضافت خلالها هذا الزعيم السياسي أو ذاك المسؤول.

لهذا سرعان ما تناسى الكثير التفاعل والفرح الذي صنعه اللاعبون، وباتوا يطعنون حتى في قيمة البطولة، التي يرونها بطولة غير معترف بها ولا تستحق كل هذا الاحتفاء والتكريمات. وهو أمر يدعو للحيرة حقاً، ويؤكد أن عمر الفرح لدى العراقيين هو قصير دوماً، وأن ما حصل من هجمة يتجسد فيه قول الجواهري بمقصورته الشهيرة:


يُريك العراقي في الحالتين.. يُسرف في شحِّه والندى

رفقاً أيها العراقيون بأبنائكم الذين جلبوا لنا جميعاً فرحاً امتد تأثيره وشمل الصغير والكبير. ولا تنكلوا بهم وتجعلوهم في مرمى ألسنتكم وكلامكم القاسي، فهم لا يستحقون كل هذا الذي نراه ونسمعه ونقرأه في الواقع أو في العالم الافتراضي.

يكفينا منهم أنهم زرعوا لحظاتنا خلال عمر البطولة بالسعادة، ونحن نراهم يبذلون كل ما في وسعهم من أجل رسم الابتسامات على وجوهنا. يكفينا منهم أنهم جعلوا العراق من شماله إلى جنوبه يقف خلفهم ويهتف معهم باسم العراق، وخير شاهد على هذا حين تخلى المعلق الكردي في مباراة السعودية عن هويته الفرعية، وتحول بحماسه إلى أن يصيح باللغة العربية (الهدف الأول لمنتخبنا الوطني)، ليندمج بالهوية الوطنية العراقية الكبرى.

لهذا نقول، اتركوا هذا المزاج السيئ، واستمروا بالفرح مع الشباب الذين جلبوا الكأس واحتفوا بهم كثيراً. فالفرح شحيحٌ لدينا، ونحتاج أن يتكاثر ويطول 

عمره.