حسب الله يحيى
المصلحون في الارض، قوم.. قدّت حياتهم من قلب حمامة، ونبت سنبلة وعطر وردة، ونسمة هواء، وقطرات مطر، ونشيد صباح آمن. هذا ما تعلمناه في طفولتنا.. وعندما وضعت العصا بيد (الملا) في طفولتنا ثم انتقلت إلى أصابع (المعلم)، انتقلت بدورها إلى شيخ القرية، ثم حاكم المدينة، ثم أولي الامر منا ومنكم!.
ولأن (الملا) أعمى في الغالب، ولأن (المعلم) لم يعد يعلم وإنما هو منشغل بدروس خارجية، ولأن بعض الشيوخ يقرون أنهم لا يميزون في عفن قراهم وبين حسادهم ومنافسيهم على (المشيخة)، ولأن حاكم المدينة، رجل لا خبرة له في تدبير عيش مدينته، ولأن أولي الامر لا يفهمون من أمور الدنيا، الا فرض طاعتهم سواء بالترغيب أو الترهيب، فقد جرى ما جرى.. وحالت الاحوال إلى أوحال وبالتالي أصبح كل هؤلاء حاشيته ومرتزقته ومحابين ومحبين للذين يحمون مجده ويذودون عن حياضه، بوصفه رمز ( الوطن ) لا رمز الحياة التي تنطفئ بوجوده.. ولا تنتعش بحضوره كاذباً. صار لكل مسؤول مريدوه وحراسه حسب مقامه وموقعه وتأثيره. وصار لكل هؤلاء راتب ثابت ومكافآت مفتوحة الشهية. ولأن أولي الامر منا ومنكم، واجب طاعته وواجب تقديسه.. فقد اطعنا وقد قبلنا أن نتحول إلى (رعية) لا إلى ( مواطنين) صالحين. ولأن الأمور لا تستوي الا بالمزيد من (الفخامة)، اصبحنا نقول عن فاسد، بانه أفنى حياته جهادا ونضالا وسجونا.. وبات يستحق أن نقيم له نصبا، ولأن النصب من رجس الشيطان، بتنا نسبح بحمده ونسير خلفه ونعلي مرتبته ونكسب وده ونذود عن حماه.. ونتلقى رضاه ونعمته بسرور بالغ. نعم.. بتنا نسمي المفسد في الأرض والسماء، شاطرا ونابها، ويتمتع بخصال حميدة تخوله لخوض انتخابات زائفة، وبيع نفسه لفئة بعينها ليحصد موقعا في محراب هذه الفئة أو تلك.
أصبحنا نعيش في جمع من (عباد الله الصالحين)، الذين لم يعد بمقدورهم إصلاح أنفسهم، حتى عدت الأمور تراضيا ومشاركة ومباركة. هذه النخب مجتمعة مع بعضها البعض، بحيث أصبح من هو خارج هذه المجموعات منبوذا أو غير مقبول، وجرى بعدئذ تشويه سمعته وإعداده خصما لدودا للعملية السياسية، لأنه لم يشارك فيها، ولم يتمكن من قيادة البلاد إلى الهاوية، التي هي عليه الآن، بعد تدهور العملية الأرضية، التي يستورد بواسطتها (الفجل واللبن الرائب) إلى جانب أحدث ما انتجه (الاستعمار)، من أجهزة الاتصال، بوصفها أجهزةً، تقرب البعيد وتبعد المسن. بلد لم يعد يحميه حام ويذود عن أرضه غيور، ولا يأمن فيه المرء عن ماله وعرضه وبيته وحتى انفاسه بعد التلويح بقانون كتم الاصوات. فهل يمكن بعد كل هذا البحث عن إمكانية لتشخيص الخراب، وهو بيّن وواضح للعيان والمجيء بذوي الخبرة والعقول النيرة والكفاءات لإصلاح الاحوال.. أم إبقاء الأمور اقتصاديا على من لا يجيد حتى جدول الضرب ليقود ادارة المال الحلال والحرام، معا وعلى وجه عادل واحد من الحساد والمخربين.. في حين نعرف أن من به حاجة للحماية، ما هو الا معادٍ للآخر وخصمٌ له وندُ
لوجوده.
ترى هل استبدلنا حكم الخوف والاستبداد.. بالخوف وجاهة وحماية وتنكيلا وسجونا لا حدود لها ووجاهات لا يحترم وجودها لا حاضر ولا غائب؟.