د. صادق كاظم
هذه ليست المرة الاولى أو الاخيرة التي يقدم فيها متطرف أوروبي معتوه على إحراق المصحف الشريف، فقد سبقه كثيرون من المتطرفين الناقمين على الاسلام والمسلمين ممن استغلوا التصرفات والسلوكيات الارهابية الهمجية لعناصر داعش والقاعدة، لتغذية كراهية مضادة للعرب وللمسلمين، والاساءة لرموزهم ومعتقداتهم، خصوصا أن الدول الاروروبية تشهد حاليا صعوداً غير مسبوق للتيار اليميني المتطرف، الذي يعتاش على خطابات شعبوية تدعو إلى اعلاء القيم القومية والشوفينية المتطرفة، والتي تعني العودة إلى عصور الفاشية وصعود التيارات اليمينية التي قادت إلى كوارث الحروب والدمار، والتي انتهت مع نهاية الحروب العالمية الاولى والثانية وهيمنة التيارات السياسية الوسطية والمعتدلة على الساحة
لاحقا.
وجود أحزاب يمينية متطرفة وصعود شعبيتها ما زال يسهم في ظهور مثل هذه التصرفات الهمجية، التي تغذي الكراهية بين الشعوب والامم، من خلال الاساءة إلى رموزها الدينية عبر اتكائها على نافذة حريات واسعة وحماية قانونية تكفل لها التعبير عن هذه الاساءات من دون تعرضها للمساءلة، وهو امر ما زال يشجع على تكرار هذه الاعمال المشينة، وخصوصا الموجهة نحو الرموز والديانة الاسلامية.
عندما جاء الرئيس الفرنسي (ايمانويل ماكرون ) إلى العاصمة القطرية الدوحة خلال بطولة كأس العالم الاخيرة، قوبل حضوره بالصفير والهتافات من قبل الجمهور المحتشد في المدرجات، تنديدا بموقفه السلبي والمناهض للاسلام في فرنسا وقيامه باصدار قوانين تحظر وتمنع الكثير من المظاهر الاسلامية هناك تحت مزاعم المحافظة على الطابع العلماني للجمهورية الفرنسية.
من الواضح أن الارث المثقل للكنيسة في أوروبا، وما قامت به من ادوار مناهضة للعلم والنهضة والتحضر، فضلا عن نزاعاتها الدينية وانشطارها إلى اقسام متناحرة تسببت في الماضي بحروب دموية سقط فيها اكثر من مليون شخص، والتي استمرت لقرن كامل قد كان السبب في اقصائها لاحقا وتحجيم دورها ومنعها من ممارسة اي نشاط سياسي، مع السماح بالمقابل بانتقادها ومراجعة دورها وماضيها مما جعلها عرضة لهجمات واساءات انعكست لاحقا على باقي الاديان والرموز الممثلة لها، وفق ما يعرف بحرية الرأي والتعبير.
عانى الاسلام من إساءات كثيرة قامت بها كيانات وأشخاص متطرفين في الغرب، وبعضها تم التعرض فيها إلى شخص النبي الكريم محمد (ص) من دون اي مبرر يسمح بذلك، سوى أنها عكست النفسية المريضة لاصحاب هذه التجاوزات ورغبتهم في تغذية مشاعر الحقد والتطرف بين الامم والشعوب والاستهانة بالرموز الدينية، بل أن الذات الإلهية كانت بدورها عرضة لهذا الهجوم الالحادي، الذي وقفت فيه حكومات الغرب متفرجة امام موجة عنيفة من التطرف ونشر القيم الالحادية وهدم المعايير والثوابت الاخلاقية والدينية السامية، التي تربت عليها المجتمعات والشعوب بشكل عام.
الحرص على القيم العلمانية للدول الاوروبية لا يعني السماح لكل متطرف وصاحب فكر شاذ، بأن يحمل مشاعله لاحراق مصاحف القرآن الكريم أو فرشاته لرسم صور كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص)، مثيرا مشاعر اكثر من مليار مسلم ومتسببا في اثارة نزاعات ومحفزا كل ارهابي متطرف بأن يحمل سكاكينه وبنادقه لقتل اي مواطن غربي يقف أمامه، رغم أن الضحايا ليس لهم اية علاقة باصحاب هذه الافكار المسمومة.
بالتاكيد أن الحوار لا الكهوف والغرف المغلقة هو المكان الطبيعي لتبديد الخرافات والأوهام عن الدين الاسلامي وتوضيح الحقائق بأنه دين فكري يقوم على الاسس الاخلاقية النبيلة السامية، التي دعت اليها شرائع السماء، وليس دينا متطرفا يبيح القتل وسفك الدماء، كما يتوهم المرضى المتطرفون في ازقة وحواري كوبنهاكن وستوكهولم.