عواطف مدلول
شعر بسعادة غامرة عندما رفع هاتفه المحمول لمشاهدة التوقيت فيه، فظهرت له أرقامٌ متشابهة بالساعة، لا يعلم لماذا يتكرر ذلك الامر دوما معه؟ ولما يبهجه لدرجة أنه بلحظة تتحول مشاعره من حزن وكآبة إلى فرح وأمل؟ لربما القراءات الكثيرة في علم الأرقام جعلته يتفاءل لو مرت به تلك الظاهرة، إلا أن التعمق فيها يتعبه جدا ويخيفه أحيانا، لأن هناك تضارباً ببعض الآراء والمعلومات حولها الى جانب المحاذير منها أيضا.
غالبا ما يتحدث أمام أفراد أسرته واصدقائه كذلك ويخبرهم عن كثير من الأسرار، التي تحملها تلك الأرقام، إلا أنهم لايؤمنون بها مثله، يحاول أن يقنعهم بأن لكل رقم مكرر معنى ورسالة، ومع ذلك لا يثير اهتمامهم هذا الموضوع.
فيجد نفسه وحده يدور في فلك الأرقام، باحثا عن الحقيقة في كل ما يشاع حولها، يعيش وضعه ساعيا لاكتشاف وفك رموزها، مثل ذلك الذي ينتظر حدوث المعجزات، خاصة عندما تصادفه على الطريق فتجذب انظاره ويركز عليها بعمق وتفكير شديد، سواء في لافتات الشوارع ولوحات السيارات وأسعار المشتريات وقياسات الملابس، حتى صار يحتفظ بالفواتير، التي تتعلق بأجور الكهرباء والماء وغيرها من الاحتياجات الضرورية، التي يشتريها وبالذات الثمينة
منها.
هوس ترقب الارقام لا يغادره وفي كل سفر يصرعلى اختيار رقما دون غيره لغرفة الفندق الذي يسكن فيه، وغالبا ما سلوكه هذا يثير سخرية وتعجباً من يرافقه من الأصحاب أو الأهل، ورغم محاولاتهم العديدة لمعرفة ما يجري معه، لم يتوصلوا لتفسير واضح عن سر ما يفعل بهذا الخصوص، وبالمقابل فإنه عجز عن حل تلك الألغاز أمام الآخرين، والإجابة على أسئلتهم، مكتفيا بابتسامته، التي فيها كثير من الغموض وشيء من الخبث احيانا، مثل ذلك الذي عثر على كنز ويتخفى في سبيل أن يفوز به
لوحده.
رغم كل هذا الشغف لم يكن واعيا برقم هاتفه الذي يحمله منذ سنوات، حيث غاب عن باله انه ربما يكون مميزا، فصدم حينما وجد فيه أرقاما مكررة متشابة، فوصف نفسه بأنه سعيد الحظ، وعمل على جمع تاريخ ميلاده، اليوم والشهر والسنة ليتوصل بالنتيجة لرقم واحد نهائي أضحى رقمه (الكوني) المفضل الذي يعتمده في كل خطواته.
فالمعروف أن معظم الناس اعتادوا على تدوين خططهم، والانطلاق ببدء مشاريعهم، اما مع تواريخ ميلادهم أو كلما حلت سنة جديدة، الا هو فإنه يحرص على كتابة امنياته وأهدافه، باليوم الذي يحمل ذلك الرقم، معلنا اختلافه عن الجميع وخروجه عن القاعدة الطبيعية الثابتة.
أرقامٌ شتى لعبت دوراً كبيراً في تحديد مسارات حياته، وبعد خبرة طويلة بها بات يتفاءل ببعضها كونها جالبة للحظ والسعادة، ويتشائم بأخرى، ويعدّها منحوسة، وعلى ذلك الأساس أخذ يرتب مواعيده ويقيم أو يلغي مناسباته واحتفالاته.
إلا أنه وسط دوامة الارقام هذه يفاجأ الكل حينما يسأل عن عمره الذي تجاوز الثلاثين بسنتين، مختبئا خلف الجملة الشهيرة التي مضمونها يقول (إن العمر مجرد رقم)، فيمحي بذلك كل معتقداته حول الأرقام، مؤكدا حقيقة أن لا قيمة لها امام رغبة الانسان في تفعيلها لصالحه أو ضده، فزر التحكم بها بيده وحده، حيث يستطيع أن يمنحها الحضور، الذي يجعلها تنظم حياته بلا تعقيدات وقيود.