خططُ تايوان الدفاعيَّة رهنٌ بأعداد الشباب

بانوراما 2023/01/31
...

 إيريك تشيونغ

  ترجمة: بهاء سلمان


لاحظت تايوان وجود فجوة في خططها الدفاعيّة، وهي تتزايد باضطراد؛ وأمر معالجتها ليس بالأمر الهيّن، يمكن تعزيزه عبر الموازنة المالية أو شراء المزيد من الأسلحة.

تواجه ديمقراطية الجزيرة، بسكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة تقريبا، تحديا متزايدا في تجنيد ما يكفي من الشباب للإيفاء بأهدافها العسكريّة. وأشار وزير داخليتها أن المشكلة، على أقل تقدير جزئيا، تعود إلى معدلات الولادات المنخفض بشكل ثابت. وانخفض عدد سكان تايوان لأول مرة سنة 2020، وفقا لبيانات الداخلية، والتي حذّرت من أن الاستيعاب العسكري سيكون الأدنى خلال عقد، وإن الهبوط المستمر بأعداد الشباب سيفرض “تحديا هائلا” مستقبلا.

تعد هذه أنباء سيئة فيما تحاول تايوان تعزيز قواتها لردع أي غزو محتمل تشنه الصين، التي يقوم حزبها الشيوعي الحاكم باِفتعال ضوضاء الحرب بشكل متصاعد حول عزمها “لم الشمل” مع الجزيرة الحاكمة نفسها ذاتيا، التي لم تسيطر عليها الصين مطلقا، حتى ولو بالقوة إذا اقتضت الضرورة. وتفاقم المشهد سوءا مع صدور تقرير جديد من المجلس الوطني التايواني للتنمية، حيث تصوّر أنّه بحلول سنة 2035، سيحتمل توقع ولادات بعدد أقل بعشرين ألف تقريبا لكل سنة مما سجل سنة 2021 بأعداد وصلت لنحو 154 ألف مولود. وبحلول 2035 أيضا، ستتجاوز تايوان كوريا الجنوبية كأقل معدلات للولادة عالميا، يضيف التقرير.   


آراء معارضة

لدى الجزيرة حاليَّاً قوة عسكرية متمرّسة قوامها 162 ألف جندي، وهي أقل بسبعة آلاف فرد عن هدفها، بحسب تقرير صادر عن مجلس التشريع التايواني. وعلاوة على هذا الرقم، ينبغي على جميع المؤهلين تأدية خدمة أربع أشهر تدريبية كخدمة احتياط.

سيكون تغيير متطلبات الخدمة الإلزاميَّة بمثابة تحوّل رئيسي بالنسبة للبلاد، التي تسعى مسبقاً للتخفيف من التجنيد الالزامي وتقليص مدة الخدمة الالزامية لأقل من 12 شهرا، التي فرضت سنة 2018. لكن وزير الدفاع التايواني، “تشيو تشينغ”، قال مؤخرا بأنّ مثل هذه الخطط سيتم عرضها أمام العامة قبل نهاية العام.

لاقت هذه الأنباء معارضة بين بعض أوساط الطلبة الشباب في تايوان، معبرين عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن استيائهم، رغم وجود دعم لهذه الخطوة بين جمهور أوسع. ووجد استبيان أجرته مؤسسة الرأي العام التايوانيّة عن موافقة معظم التايوانيين على إطالة مدة الخدمة الالزامية؛ ويرى العديد من الخبراء بعدم وجود خيار آخر، بكل بساطة.

يقول “سو تسويون”، مدير المعهد التايواني للدفاع الوطني والبحوث الأمنيّة، إنّه قبل سنة 2016، كان مجموع الرجال المؤهلين للانضمام إلى الجيش، سواء المطوّعين أو الاحتياط، نحو 110 آلاف؛ ومن حينها، انخفض العدد كل سنة، وسيكون المجموع بقدرٍ متدنٍّ يبلغ نحو 74 ألف شاب بحلول سنة 2025. وخلال العقد المقبل، من المحتمل هبوط عدد البالغين المتوفرين للتجنيد من قبل الجيش التايواني بنسبة الثلث، بحسب سو. “إنها مسألة أمن قومي بالنسبة لنا. مجموع السكان يتناقص، من ثمَّ فنحن نفكر باستعادة الخدمة الالزامية للإيفاء باحتياجاتنا العسكريّة، مع مواجهتنا لتهديدات متزايدة من الصين، وحاجتنا لامتلاك المزيد من القوة الناريّة والطاقات البشريّة”.

يعد معدل الولادات في تايوان، أقل من واحد بالمئة، بعيداً جدّاً عن نسبة اثنين بالمئة المطلوبة للحفاظ على أعداد مستقرّة للسكان، لكن الأمر لا يعد خارجا عن المألوف بالنسبة لشرق آسيا؛ ففي تشرين الثاني الماضي، كسرت كوريا الجنوبية رقمها العالمي عندما هبط معدل ولاداتها إلى 79 بالألف، بينما انخفض معدل اليابان والصين إلى واحد بالمئة تقريبا. ومع ذلك، يقول الخبراء بأنَّ هذا التوجه يفرض مشكلة فريدة من نوعها للجيش التايواني، إذا ما أدركنا الحجم النسبي للجزيرة والتهديدات التي تواجهها.

ومنذ الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها رئيسة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب الماضي، أجرت بكين سلسلة من تدريبات ومناورات عسكرية حول الجزيرة. وبقي الموقف ساخناً، خصوصاً بعد إبلاغ الرئيس الصيني “شي جيبينغ” لمؤتمر الحزب الشيوعي بأنَّ “لم الشمل” يعد أمرا حتميا، وهو يحتفظ بخيار اتخاذ “جميع الإجراءات الضرورية”.


تصعيد وتردد

ويقول “تشانغ تينغ”، القائد السابق ضمن القوة الجوية التايوانية، إنه بينما تعد معدلات الولادات المتدنية أمرا شائعا عبر شرق آسيا، “فإنّ الوضع مختلف تماما بالنسبة لتايوان، لأن الجزيرة تواجه تصعيدا متواصلا بالضغوط من قبل الصين، والموقف سيتّجه نحو المزيد من الخطر. لدى الولايات المتحدة قواعد داخل اليابان وكوريا الجنوبية، بينما لا تواجه سنغافورة تهديدا عسكريا حادا من قبل جيرانها. نحن نواجه التهديد الأشد، وسيعمل معدل الولادات المتدني على جعل الوضع أكثر خطورة”.

وإلى جانب قاعدة تجنيد متقلّصة، فلربما ستهدد حالة انخفاض أعداد الشباب أيضا الأداء البعيد المدى للاقتصاد التايواني، والذي بحد ذاته يعد إحدى ركائز دفاع الجزيرة. ويحتل الاقتصاد التايواني المركز الحادي والعشرين عالميَّاً، وفقا لبينات مركز بحوث متخصص في لندن، ووصل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى أكثر من 668 مليار دولار السنة الماضية.

واتّخذت الحكومة التايوانية سلسلة إجراءات بهدف تشجيع مواطنيها على الإنجاب، لكن النجاح كان محدودا؛ فهي تدفع مبلغ 161 دولار شهريا للآباء على طفلهم الأول، ومبلغ أعلى لكل طفل إضافي. ومنذ العام الماضي، منحت الحوامل إجازة سبعة أيام لغرض إجراء فحوصات التوليد تحضيرا لعملية الولادة.

خارج النطاق العسكري، وعلى مستوى الاقتصاد الأعم، تشجّع تايوان قدوم العمال المهاجرين لملء الوظائف الشاغرة. وأظهرت إحصائيات جديدة أن نحو 670 ألف عامل مهاجر كانوا في البلاد قبل سنة تقريبا، وبنسبة ثلاثة بالمئة من السكان. ويتم تشغيل معظم العمالة المهاجرة في قطاع التصنيع، وفقا للمجلس، والغالبية العظمى منهم قدموا من فيتنام واندونيسيا وتايلاند والفلبين. ويشير أحد الخبراء إلى أنه على المدى البعيد، سيتعيّن على الحكومة التايوانية إصلاح سياساتها الخاصة بالهجرة لجلب المزيد من العمال المهاجرين.

مع ذلك، يوجد هناك من يقول بأن معدلات الولادة المتدنية لا تمثل سببا يدعو للذعر، لغاية الآن. وحذرّت “أليس تشينغ”، أستاذة علم الاجتماع، من ضخامة المبالغة باستقراء توجهات السكان مع تأثرهم بعوامل كثيرة جدا. 

وحتى لو بقيت حالة المعدلات المتدنية للولادات، فلربما لن تكون أمرا سيئا إذا كانت انعكاسا لتحسن ملموس في حقوق النساء، بحسب أليس، وتضيف: “أسهم التوسع التعليمي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في شرق آسيا بإحداث تغيير هائل لوضع المرأة؛ فقد أخرج النساء حقا من منازلهن لأنهن امتلكن المعرفة والتعليم وإمكانية العمل. الشيء التالي المنظور للجميع عالميا هو أنه بمجرّد تحسن مستوى التعليم للنساء، تبدأ نسبة الولادات بالانخفاض؛ وتفكّر جميع دول شرق آسيا في الواقع بوضع سياسات وتدخلات لتعزيز تلك النسبة. 


وكالة سي أن أن 

الإخبارية الأميركية