ساطع راجي
تجاوز البرلمان العراقي عامه الأول، ففي 9/ 1/ 2022 انعقدت جلسته الأولى وكانت تسجيلا سريعا للمتاعب والمشكلات التي سيواجهها لاحقا، وبالفعل بدت أحداث تلك الجلسة مجرد صورة مصغرة لما سيعيشه البرلمان على الأقل في عامه الأول الذي شهد تعطلا وانقسامات حادة، جعلت البرلمان، مبنى ومعنى، ساحة للمواجهة السياسية والشعبية وحتى المسلحة، باجتياح جماهير التيار الصدري له، ثم خروجها منه أواخر تموز الماضي بعد مواجهة مسلحة سقط فيها عشرات الضحايا.
استذكار ومراجعة السنة التشريعية الأولى للبرلمان العراقي في دورته الخامسة ضروريان لتقييم عمل وتوجهات القوى السياسية وليس البرلمان كمؤسسة فقط، ومن الواضح أن نتائج العمل المؤسسي للبرلمان ليست بمستوى التوقعات، فقد أدى انسحاب نواب التيار الصدري إلى وجود صورة مشوشة للبرلمان، فالافتراض الاولي هو ان يؤدي الانسحاب وزيادة مقاعد الاطار التنسيقي وتشكيل تحالف إدارة الدولة الواسع الذي انبثقت عنه الحكومة إلى حالة انسجام واستقرار تسهل العمل البرلماني، وخاصة الجانب التشريعي منه بالأخذ في الاعتبار أن اتفاق تشكيل الحكومة تضمن تعهدات متبادلة بتشريع عدد من القوانين، لكن ما حدث خلاف ذلك.
مرت أشهر تفعيل البرلمان بعد انسحاب الصدريين ببطء وكسل، هيمنت خلالها إرادات القيادات السياسية من خارج البرلمان على وتيرة الأداء لترسخ الخلل السياسي الفادح، الذي يعيشه العراق بوجود صناع القرار (قادة الأحزاب) خارج المؤسسات الرسمية (البرلمان والحكومة)، ومع هذا الاختلال تتراجع أهمية حجم الكتل البرلمانية أمام ضرورة اتفاق الزعماء، كما أن استقرار وفعالية التحالفات حتى داخل المكون الواحد مرهونة بالعلاقات والمصالح الشخصية للزعامات، وكما هو متوقع في هكذا ظروف بقيَّ نشاط البرلمان في الحد الأدنى من الفعالية، رغم الأزمات والمشكلات المعيشية، وهو ما يدفع إلى تصاعد اليأس والنفور الشعبي من النظام السياسي الذي سينعكس على استمرار تراجع المشاركة في أي عملية انتخابية مستقبلا.
مستوى الإداء البرلماني يعكس مستوى إداء النظام السياسي كله ويمثل قدرته وإرادته لتصحيح مساره، الذي كشفت أحداث السنة الماضية المخاطر القاتلة التي تنتظره ومستويات العنف والفوضى اللذان يهددانه في حال البقاء على خطه الراهن.
لم يفتح البرلمان ولا قادة كتله ولا زعماء أحزابه جراح السنة الماضية، التي لن يحصي حصيلتها الحقيقية أي رصد لعدد جلسات البرلمان والقوانين التي شرعها أو عمليات الاستجواب التي نفذها، وستبقى أحداث صيف 2022 البرلمانية هي الأهم في عمر الدورة الخامسة والدورة، التي تليها وربما في عمر النظام السياسي كله، ومع ذلك يحاول النواب وقادتهم تناسيها وكأنها لم تحدث.