الفنانة النيجيريَّة {أيوبولا كيكيري إيكون}

ثقافة 2023/02/01
...

 أوللي ماكونتون

 ترجمة: مي اسماعيل


غالبا ما يقال عن العيون إنها نوافذ الى الروح، لكن بالنسبة للفنانة النيجيرية "أيوبولا كيكيري إيكون-Ayobola Kekere-Ekun uses" تعدُّ العيون طريقة للكشف عن حقيقة شخصية الإنسان. تقول "إيكون: يمكنك فهم الكثير من عيون المرء، إذ إنها تقدم نقاط ضعف متبادلة". 

عُرِضت أعمال إيكون بمعارض في لاغوس ولوس أنجلوس، واجتذبت اهتمام كثيرين كان منهم "أليسيا كيز" (مطربة وملحنة وممثلة أميركية. المترجمة) وزوجها، الذي قدم لإيكون منحة بمبلغ خمسة آلاف دولار، لتكون جزءًا من مبادرة دعم للفنانين. تخلط إيكون في لوحاتها صورا ملونة بسيطة مع موضوعات منها- الهوية السوداء والتميز على اساس الجنس. لكنها لا تقدم فنها باستخدام الأصباغ على لوحة أو حفره بالمطرقة والازميل؛ بل بقطع الورق وتجميعه في عمليات تُعرف بفن "لف الورق- quilling". 

يعود تاريخ فن لف الورق (المعروف أحيانا باسم- الزركشة والتخريم) إلى مئات السنين، وكانت تمارسه الراهبات الأوروبيات منذ القرن السادس عشر (وفقا للمراجع التاريخية). تعرفت الفنانة "إيكون" على هذا الفن بالمصادفة، حينما أُعطيت ذات يوم نشرة تعريفية عنه أثناء عودتها الى المنزل. تستذكر إيكون الحدث قائلة: "اكتشفت فجأة طريقة للرسم دون ألوان، واسرعت لشراء مجموعة من الورق. ثم بدأتُ في قطعها ولفها ولصقها على لوحة، فقط لأرى ما الذي سيحدث. أصبح هذا العمل بالنسبة لي أمرا عاطفيا مهما فعلا، وتحول سريعا إلى شيء محبب ومستقر". 

يصعب تصنيف عمل الفنانة إيكون، فهل هو حرفة يدوية أم فن؟ تقول الفنانة: "انه شيء تستخدمه أم تسكن إحدى ضواحي أركنساس الاميركية، لتصنع بطاقات المناسبات؛ لكنني لا أعامله وكأنه حرفة يدوية؛ بل لا أراه مختلفا عما كنت سأفعله لو كنت أنحت تمثالا أو أُركبُ تشكيلاً.. وما هي إلا طريقة أخرى لنروي القصة". يستغرق انتاج العمل الفني الواحد لإيكون ما بين اسبوعين الى سبعة أشهر، اعتمادا على حجم ومنظور العمل. يبدأ العمل عادة بمخطط أولي (sketch) قبل أن يتحول إلى "هيكل" للتجسيد المستقبلي للوحة. بعدها تبدأ الفنانة بلف الاجزاء المختلفة قطعة فقطعة، مستخدمة الورق الملون والشرائط وأجزاء من النسيج والقماش حتى ينتهي العمل. تشرح ايكون وجهة نظرها قائلة: "يمكنني وصف عملي بصورة جيدة بأنني أبني أحجية متداخلة، لكنني استطيع رؤية النقطة التي تنتهي عندها، وانا فقط أدعوها خطوطا نشيطة".  

ولدت إيكون ونشأت في لاغوس (العاصمة السابقة وأكبر مدن نيجيريا)، لكنها تعيش اليوم في جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا. عمل والدها جراحاً في السعودية، أما والدتها فقد تركت عملها في ادارة المستشفيات لترعى أطفالها. كان الفن سحرا لإيكون منذ الصغر، لكنه لم يكن شغفا من شأنه أن يلهم مسيرة مهنية. في البدء بدت العمارة مهنة تشكل مسيرة أكثر ثباتا، متتبعة خطا عمها؛ لكن الجوانب الرياضية والحسابية في العمارة سرعان ما دفعتها بعيداً، وتوطد سعيها وراء الفن. 

بأسلوب مميز وملون، تحب إيكون إنشاء "فيض بصري" لاستكشاف هوية نيجيريا: "يميل أبناء شعبنا إلى أن يكونوا بارعين جدا ومفيدين جداً ومعبرين جداً. وإحدى الأفكار التي تتكرر في عملها هو "Cyclops"، المخلوق أحادي العين من الأساطير اليونانية، وتعتقد إيكون أن الأساطير القديمة يمكن أن تكون مفيدة لنا اليوم؛ قائلة: "الاسطورة بالنسبة لي هي مجرد امتداد للطريقة التي أحب بها العبث بالعيون في عملي. أعتقد أن هناك الكثير لنتعلمه، بالمعنى الحرفي والمجازي من الاساطير، ومن الطريقة التي كان الناس يحاولون بها فقط فهم العالم ومكانهم فيه". 

تحتل الامومة أيضا جزءًا مركزيا في أعمال إيكون، ويرتكز الجزء الاكبر منها على علاقتها بوالدتها: "أظن أنني أتمسك بمنظور طفولي تقريبا في عملي، لأنه يجعلني أشعر بالأمان". كما تهتم كثيراً بقضية الصحة العقلية، وهو موضوع تقول الفنانة انه يشكل وصمة في نيجيريا: "عندما تعيش في مكان يكون فيه الجزء الأكبر من السكان في وضع البقاء على قيد الحياة، وتشعر بالقلق تجاه شيء غير ملموس مثل الصحة العقلية، فإن مجرد الحياة تبدو وكأنها ترف حين لا ينبغي أن تكون كذلك".

تستكشف إيكون الانوثة في عملها، الذي يدور غالبا حول النساء ذوات البشرة السوداء؛ ويهتم أساسا بالهوية النسوية؛ وهو ما تشرحه قائلة: "لا يمكن فصل الاثنين عن بعضهما؛ على الأقل بالنسبة لي. 

ودائما شعرتُ انه حيثما انتهى بي المطاف للعيش أو العمل، فذلك هو نقطة الأصل بالنسبة لي. أشعر أن الرجال يأخذون ما يكفي من فضاء في العالم، ولا أشعر انهم بحاجة لأن يحتلوا ما يكفي من المكان في رأسي أيضا". 

تأمل إيكون ان ينطلق فنها لأبعد من التصورات المسبقة للفن النيجيري، قائلة: "كان هناك تصور مسبق نمطي للغاية لما يمكن أن تبدو عليه الفنون النيجيرية.. فاذا كان أكثر تجريدية؛ سيكون التمثيل بالأقنعة، واذا كان أكثر رمزية، فسيكون هناك مشهد للسوق أو امرأة تجلب الماء. اليوم هناك الكثير من التنوعات والفروق الدقيقة". بالنسبة للفنانة كان التحليل الدقيق أيضا أكثر أهمية لعملها لتعرف كيف تطور. في البدء تركزت أعمالها الفنية بشكل أكبر على المواضيع الاجتماعية التي أحبطتها، لكن التحليل (النفسي) مكنها من التعبير عن ذاتها بشكل أفضل، كما تقول: "أعتقد أنني كنت أعاني شعورا بالغرق، لأنني قضيت حياتي بأكملها أُفكر لأستوعب كل شيء وقع لي. لكن التحليل أنقذ حياتي تماما". تعمل إيكون الآن لإنجاز رسالة الدكتوراه في الفن والتصميم بجامعة جوهانسبيرغ، واستنفذت الدراسة الأكاديمية وقتها وزادت من صعوبة متابعتها وتعلقها بالعمل الفني طيلة الوقت. لكنها تؤمن أن على جميع الفنانين البقاء صادقين مع انفسهم: "هناك القليل من الأشياء الرديئة مثل العمل غير النزيه، وإذا كنت لا تقدّر وجهة نظرك، فلن يفعل ذلك أي شخص آخر. وهناك شيء ممتع للغاية ومجزٍ كثيرا في وجود أشخاص لم أقابلهم من قبل، لكنهم يجدون صلة ذات مغزى مع ما أقوله (فنيا)".