معنيُّون: الدكتاتوريَّة والحروب وإهمال الدولة وراء ذلك

ثقافة 2023/02/01
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 

تشير آراء كثيرة إلى تدني مستوى الثقافة الأدبية للطالب الجامعي العراقي، عما كانت عليه قبل ثلاثين سنة، بعضها يضع المناهج الدراسية سبباً لذلك؟ وآخرُ يظن ذلك التدني ناتجاً عن تدن مماثل في المستوى الثقافي للأستاذ الجامعي؟ هل الجامعة غير قادرة على صناعة ثقافة أدبية، كما كانت تفعل في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، إذ انتجت نخبة من خيرة المثقفين العراقيين؟ أم أن واقع الحياة ومستويات ما يبث من معرفة متنوعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وممكنات الصورة المرئية غيّرَ مستويات تلقي ذلك الطالب؟  لماذا لا تسهم الجامعات بشكل عام، وكليات الآداب واللغات بشكل خاص بإصدار كتب معنية بما تنجزه وما تحتاجه؟  أين الجامعات من تأسيس المسابقات الأدبية وتتبع الإصدارات المهمة في المشهد الثقافي العراقي والعربي؟ عن إجابات لهذه التساؤلات وغيرها سأبحث مع نخبة متميزة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.

إعادة النظر بالعمليَّة التربويَّة

الروائي جابر خليفة جابر يجد أن تدني مستوى الثقافة الأدبية عند الشرائح المتعلمة عموماً وخاصة الطالب الجامعي قياساً لما قبل ثلاثين وأربعين عاماً أمرٌ واضحٌ جداً، ولا شك عنده أن سلوكيات الأنظمة الدكتاتورية وقيودها وما قادت البلاد إليه من حروب وحصارات وكبت وتقتيل وتخريب مجتمعي هي السبب الأساس، مشيراً إلى أن هذا التدني يستدعي إعادة النظر بالعملية التربوية والتعليمية بمختلف مراحلها منذ البدء وصعوداً إلى أعلى المستويات.

وأضاف جابر بقوله: إذا أُخذ بالحسبان أن هذا الطالب الجامعي معدٌ لبناء البلاد ولإدامة التنمية المجتمعية ندرك أهمية الثقافة الأدبية وضرورة الاهتمام بها وتحبيبها للناشئة لكي تتهذب أذواقهم وتترهف مشاعرهم وتسمو نفوسهم، فالأدب فعل إنساني بامتياز وما أحوجنا كمجتمع يئن من جراح شتى أن يعود معافىً سليماً عبر إعمار روحه الجماعية وما من إعمار للروح والأنفس والمشاعر والأخلاق من دون الأدب.

ولا أطيل في التشخيص وليس هناك شعبٌ أكثر منا في إجادة النقد وتشخيص العلل الاجتماعية لكن نقطة ضعفنا الكبرى هي الافتقار إلى روح العمل الجماعي المؤسساتي في التخطيط الناجح والتنفيذ الفعال، ولا شك أن فتح ملف الثقافة والالتفات الجاد إليه بمستوى موازٍ للاهتمام بملفات الأمن والفساد وغيرها هو الخطوة الستراتيجية الكبرى والأولى لهذا الإعمار الأهم للمجتمع، ويعني هذا فيما يعنيه من خطوات أُخر تشكيل مجلس أعلى للثقافة ورسم استراتيجية ثقافية شاملة وهو أمر لا ينهض به السياسيون إنما نحتاجهم لتفهمه على الأقل ودعمه بالمخصصات وتيسير التنفيذ وأهله المؤهلون للإعداد والتخطيط هذه الستراتيجية الوطنية هم المختصون الأكفاء المخلصون، وبانتظار ذلك وقد يطول الانتظار وتلبية للالتفافة الواعية للأستاذ المبدع صلاح السيلاوي، وكي لا أطيل في التنظير اقترح هنا عدة خطوات عملية أرى أنها ستسهم في الارتقاء بالمستوى الأدبي لأجيالنا، منها وأهمها إعادة بناء الكوادر التعليمية لتناسب مسمى التربية والتعليم، فالعلم وحده يبقى ناقصاً من دون تربية، والتربية تعني بناء شخصية الفرد على مستويات عدة، بدنياً وعقلياً وروحياً ونفسياً، على أن يتزامن هذا مع تمحيص وغربلة المقبولين الجدد من معلمين ومدرسين وحتى أساتذة جامعات، لكي لا نقبل سوى المتميزين على مستوى الأخلاق والثقافة والأدب إضافة إلى تخصصاتهم.

وأضاف جابر قائلا: من الخطوات الفعّالة اجتماعيا هو نشر المكتبات الخفيفة والمراسم في كل مكان يحتمل تجمع الناس فيه، كالدوائر والمشافي والمقاهي، وحتى الشوارع والساحات وبطريقة تضمن الحفاظ على الكتب والمقتنيات، وكذلك تشجيع انشاء المكتبات الورقية في البيوت ومنح الجوائز وإقامة الفعاليات للتحفيز، ومما يشجع على الاهتمام بالثقافة عامة والأدب خاصة هو توفير الحياة الكريمة للأدباء لكي يدرك الصغار قبل غيرهم أن الأدب طريق لتحقيق الحياة الكريمة، وليس العكس كما هو سائد إذ تعاني شريحة الأدباء من العوز والفقر والسبب الرئيس هو تركيزهم على الأدب بينما يهتم غيرهم بكسب المال، والمؤسف أن الحكومات المتعاقبة وحتى الآن على رأس قائمة غير المهتمين بالأدب والأدباء وهم أول وأخطر المهملين والمقصرين في هذا الجانب الحي الفعال إذ لا حياة لشعب من دون أدباء.


إهمال الاستقراء والركون للتلقين

الشاعر ماجد الحسن يشير إلى أن هذه التساؤلات تضعنا في قلب إشكالية كبيرة أجهزت على بريق الجامعات وهيبتها، لافتا إلى أن طرفي العملية الأكاديمية (الأستاذ والطالب) أسهما بتجذير تلك الإشكالية، التي تمركزت في المشهد الجامعي العراقي مما دفعته إلى التسطيح وتدني مستوياته مقارنة بما كان عليه في العقود السابقة، إذ كانت الجامعات في حينها مركز لصناعة الثقافة وانتشارها، وبيّنَ الحسن أن أهم أسباب انحسار دورها وهبوطها المتدني، هو إهمال الدرس الأكاديمي المنضبط، الذي يعتمد طريقة الاستقراء والبحث لينحرف إلى جادة التلقين والركون إلى الحفظ دون اجتهاد، مما دفعت أغلب الطلاب الاعتماد على (الملزمة) التي يقترحها الأستاذ الجامعي بعجالة، وهكذا أهملت الكتب ذات القيمة العلمية، وبات الطالب لا يتحسس أهمية الكتاب (الورقي)، الذي اجتهد الكثير من الباحثين النخبة بتأليفه، والذين أسهموا بانتشار الثقافة وتفعيل مدياتها، فضلاً عن ذلك المجاملة والمحاباة للكثير من الطلاب وعدم محاسبتهم عن أداء مهامهم العلمية بصورة دقيقة.

وأضاف بقوله: هذا الأمر سهّل قبولهم في الدراسات العليا، ليكونوا بعد فترة زمنية أساتذة جامعيين، ومن هنا تكبر المشكلة وتتسع مشاربها، وهذا الأمر يؤشر إلى انتهاء الاجتهاد وغياب البحوث الرصينة وعدم البحث والتقصي عن المصادر ذات القيمة العلمية المهمة والثرة، كذلك نلمس عدم قدرة أغلب الأساتذة على التأليف بسبب ضعف إمكانياتهم العلمية والبحثية،  فكيف الحال مع بعض خريجي الدراسات العليا، الذين يشترون رسائلهم وأطاريحهم من مكاتب متخصصة بهذا الغرض، أو يكلف أحدهم بالكتابة بدلاً منه، بعض هؤلاء احتلوا صدارة معينة في المشهد الجامعي وبكل تبجح أطلقوا على أنفسهم الأساتيذ، وهنا يبرز السؤال الأهم، وهو كيف يتسنى لهؤلاء تأليف الكتب ومتابعة المفاهيم الفكرية والنقدية وتصحيح مسار الثقافة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي وللأسف الشديد ينطوي الكثير منها على الإسفاف الذي غيّر من مسارات التلقي الحقيقي والمنتج، مما فتح أفقاً سهلاً للكسالى من طلبة الدراسات العليا، وإزاء كل هذه التعقيدات في المشهد الجامعي، يبرز السؤال الأهم، هو كيف يتسنى للجامعات صناعة ثقافة عامة هي من أبسط الطروحات التي تتبناها الكليات وحصراً كليات الآداب المعنية بأمور الأدب ومفاهيمه، إن عدم الاستطاعة يؤكد صعوبة انجاز ثقافة تخصصية وحصراً المنجزات (الأدبية) الحقيقية والمهمة بتنوعها واختلافها، كذلك كيف يتسنى لهذه الكليات بهذا الضعف والتسطيح ملاحقة طروحات الحداثة وما بعدها. 

وقال أيضا: إن المؤشرات الحالية تؤكد أن البعض من الجامعات أصبحت دكاكين لبيع الشهادات، لكل من هبَّ ودبّ من دون رادع علمي يوقف عتمتها ببريق التقصي والابتكار، وهذا هو المؤشر الأخطر على انحدار الثقافة وضياعها، مما أصبحت تتناسب وواقع أغلب الجامعات العراقية، التي لم تتابع بجدية الإصدارات المهمة لمن هم خارج التوصيف الأكاديمي من الأدباء والمثقفين والنقاد، فضلاً عن عدم انفتاحها على الجامعات العربية والعالمية الرصينة والاقتداء بعملها من باب التلاقح وزيادة الخبرة.    


مؤسسات لتفريخ الخريجين

الناقد والأكاديمي أحمد الظفيري ذهب برأيه إلى أن المستوى الثقافي للطالب الجامعي هو نتيجة لتراكمات معرفية وثقافية، تبدأ من مراحل الدراسة الأولى، مرورا بوسائل الإعلام وما يرافقها من وسائل تواصل كلها تصب في بناء محيط معرفي وثقافي للفرد، لذا ليس من الغريب أن يكون مستوى طلبة الجامعة الثقافي متدنيا لحدود كبيرة، لدرجة أنه لا يمتلك أدنى معرفة برموز الثقافة العالميَّة والعربيَّة والعراقيَّة، وأشار الظفيري إلى أنه لا يمكن أن يعزو ذلك التدني إلى المناهج، بل إلى المعلمين والمدرسين والأساتذة الجامعيين الذين يدرسون تلك المناهج، معتقداً أن نسبة 90% من أساتذة الابتدائية والإعدادية لا يمتلكون معلومات أدبيّة كافية، حتى عن أسماء الأدباء الذين يقومون بتدريسهم ضمن مناهج الدراسة.

وأضاف موضحا: أما الجامعات فقد أصبحت مؤسسات تفريخ للخريجين، فقط تتعامل بالكمية وليس بالنوعية، ولو أخذنا أمثلة عن نوعية وعدد النشاطات الثقافية والأدبية التي تقدمها كليات الآداب والتربية في أية جامعة، سنجد أنها لا تساوي شيئا قياسا بعدد الساعات التعليمية/ التلقينية للطالب، كذلك لا نجد جدية كافية بتعريف الطلبة على الإصدارات الأدبية الحديثة والمعاصرة، مما شكل هوة بين الطلبة وبين الوسط الأدبي والثقافي بصورة عامة.

وحين تكون هنالك مطالبة للكليات المعنية بالواقع الأدبي والثقافي ستكون الإجابة عبر سلسلة معقدة من روتين المعاملات الرسمية، فكل فعل يحوي مصروفات مالية يكاد يكون شبه معدوم تجاه النشاطات الأدبية والثقافية، بل حتى البحثية، وسنجد أن معظم النشاطات الأدبية التي قد تقيمها أحيانا الجامعات هي بتنظيم وترتيب شخصي من قبل بعض الأكاديميين الذي لهم تواجد وعلاقة بالوسط الأدبي، أما تبني إصدارات أو إقامة مسابقات حقيقية، فهذا أمر قد لا تفكر فيه إدارات الجامعات أو عمادات الكليات، لأنها تعتبر أن ذلك من الأمور الهامشية في الجامعة، وتولي الأهمية للبناء المادي وتوسيع القاعات وتوفير المستلزمات التي لا علاقة لها بإضافة وعي ومعرفة للطالب.

وقال الظفيري ايضا : أعتقد أن من واجب اتحاد الأدباء والكتاب في العراق - بصفته الممثل الأهم للأدباء- إجراء اتصالات مباشرة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من جهة، ومع إدارات الجامعات الحكومية والأهلية من جهة أخرى، من أجل تنظيم عمل مشترك ومستمر بين إدارة الاتحاد وبين الجامعات، كأن تكون هناك لجان مشتركة لإقامة نشاطات دائمة ومهرجانات وحلقات نقاشية وغير ذلك، كما يمكن للاتحاد تزويد الجامعات بقوائم لآخر نتاجات الأدباء، وطرح عدد من الأعمال لتكون موضوعات للدراسة في رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، وهذا قد يجعل الطلبة يتعرفون بصورة أكبر على الواقع الأدبي العراقي، ويتمكنون من التواصل بصورة مباشرة مع الأدباء الذين لم يعد لهم صوت، في ظل انتشار الشخصيات التافهة التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات العراقيّة.


دراسةٌ من دون ركائز ثقافيَّة

الشاعر قاسم العابدي تحدث عن امتلاك الطالب الجامعي في العراق قبل ثلاثين سنة لركائز ثقافية، يستطيع من خلالها الدخول في مناقشات مع أقرانه حيث أن تلاقح الأفكار يؤدي الى صقل الموهبة، مشيرا إلى أن هذا ما يفتقر إليه الطالب الجامعي في الوقت الحاضر، حيث أصبح لا هم له سوى إنهاء المحاضرة نتيجة الشعور بالملل منها، لافتا إلى أن الطالب الذي يصاب بالملل من المحاضرة سيكون آخر اهتماماته هو نيل قسط معين من الثقافة.

وأضاف العابدي موضحا: أنا بالتأكيد لا أعمم هذا الشيء، فهناك طلبة مجتهدون ومبدعون وقرّاء يحرصون على تثقيف أنفسه، ولعل للمناهج الدراسية التي تعطى للطالب تأثيراً كبيراً على سير ثقافته العامة، حيث أصبحت المناهج تقليديّة ومواكبة الطالب لتلك المناهج غير مراقبة من قبل بعض الأساتذة الجامعيين، وبعض الطلبة يجلبون التقارير المطلوبة منهم من مواقع الانترنيت، ويتم غض النظر عنها من قبل بعض الأساتذة،  وسنة بعد أخرى وجدنا أنفسنا أمام كم هائل من خريجي الجامعات، الذين يتصفون بضعف كبير في الدراسة الاكاديمية، فضلاً عن افتقارهم للثقافة العامة، كما أن الانفتاح على الجامعات الخاصة في بعض الدول المجاورة، أتاح لبعض الطلبة الذين يمتلكون المال بالتخرج منها ونيل شهادات أكاديمية، وهذا الشيء أضعف الدراسات العليا في الجامعات العراقية.

وعن تأثيرات المحاصصة السياسية على ثقافة الطالب الجامعي قال: تأثيرات المحاصصة التي وصلت الى أعلى مناصب الدولة وصلت أيضا الى الجامعات، وسببت خللاً في اداراتها، فلم تعد الجامعات تعتني بالمؤتمرات الثقافية والعلمية، وليست لها مشاركات في معارض الكتاب، بل أصبحت حفلات التخرج في الجامعات حفلات مبتذلة أمام عين الادارات الجامعية، وكل هذه الأمور بسبب ابتعاد الكوادر الجامعية عن رعاية الثقافة وغرس القيم العليا في قلوب الطلبة، ولعل هذه الأسباب من ضعف الطالب وقدم قابليته على تحريك ذاته في مضمار الثقافة، وعدم اهتمام الأستاذ بغرس الثقافة في قلب الطالب أضعفت المستويات الثقافية العامة للطلبة، وأبعدت الجامعة عن تصدر المجتمع وتمويله بالطلبة الذين يفترض أن يكونوا اللون الأزرق للمستقبل، وهذا الشيء مخالفٌ، لما كانت عليه الجامعات العراقية في السابق فقد كانت ترفد المجتمع بنماذج أصبحوا في ما بعد قادة هذا المجتمع وكتبوا وانتجوا الكثير من النتاجات الثقافية وعلى المستويات كافة.


تعزيز مكانة الكتاب في المجتمع

الشاعر أنمار مردان يرى أن الرؤية تختلف من جيلٍ إلى جيل، لافتا إلى تسلح الجيلين السبعيني والثمانيني بالثقافة، وهو في مرحلتي المتوسطة والاعدادية، ليكون جاهزًا للتكامل الثقافي في الجامعة، مشيراً إلى أن انحسار المستوى الثقافي عند الطالب الآن سببه الرئيس  تراكمات المجتمع، حيث مر البلد بموجات من الحروب والتردي الاقتصادي.

وأضاف مردان مبينا: ما زاد الطين بلة هو الاستعمال الخاطئ للأنترنيت ، كل هذه عوامل ادت إلى انحدار الثقافة عند الطالب، وكذلك إلى التقليل من مكانة الكتاب في حياة المجتع بشكل عام، اما دور المؤسسة التعليمية المتمثلة بالجامعات كان الاجدر بها تفعيل مادة الثقافة، فهي فسحة جميلة للطالب الجامعي تنقله من الاجواء الجادة والضغط الدراسي إلى عوالم المعرفة و المعلومة الفكرية، وأغلب الجامعات تعد هذه المادة ثانوية لا دور لها، يقرأ الطالب لكي ينجح بها فقط، لهذا أصبحت هذه المادة مطلوبة وليست مرغوبة، على الجامعات أن تهتم بهذا الجانب المهم لتوعية الجيل القادم، وأخذ دورها بشكل مؤثر لبناء شخصية الطالب وتشجيعهم على القراءة والاطلاع، ليكون مسلحاً بكل الجوانب العلمية والمعرفية والثقافية ومؤهلا لبناء مجتمع صالح للعيش.


بيئات حاضنة

الشاعر عبد الأمير خليل مراد بيّنَ أهمية البيئة في صناعة الطالب المثقف والأثر الواضح في توجيه المرء، والأخذ بيده إلى انتهاج المعرفة والثقافة، لافتا إلى أن البيئات تختلف من مكان إلى آخر، فهناك بيئة حاضنة وأخرى طاردة للثقافة، فالبيت له الدور الأول الذي يأخذ بيد الطالب إلى سلوك آبائه، أو محاولة تقليد الناجحين في أدائهم الثقافي، وكثيرا ما ينتهج هذه السبل التي تقوده إلى تقصي أسباب الحضور في ميادين المعرفة، وتنمية الموهبة منذ المراحل الأولى لحياته المدرسية.

وأضاف خليل: الطالب يحاول أن يختط أهدافه عبر عائلته، وهي توجه أبناءها إلى المغايرة والاختلاف عن سواهم في مقاعد المدرسة، فهناك النشاطات اللاصفية في المدارس، وهي أنشطة ذات فاعلية مشهودة في تنمية الطلاب و مساعدتهم في تخطي الصعوبات اليومية، التي تعوق تطلعهم وأهدافهم في بلوغ السمو الإبداعي، وعلى عكس ذلك نجد أن الجامعات تفتقر إلى هذه المميزات، فهي تبحث عن التلميذ الجاهز ولم تحاول أن تأخذ بأيدي طلابها إلى الحفر في المعارف الثانوية، خصوصا أن هذا الزمن ذو ايقاع سريع نفتقد فيه إلى المواهب الخلاقة، فالطالب حاليا مأخوذ بمسببات الترف والركون إلى اللهو في البيت أو الجامعة، وقد رأينا أن هذه الأيام الراهنة تفتقر إلى المجاهدة من قبل الطالب على عكس حقب الستينيات والسبعينيات، حيث يجتهد الطالب من خلال ذاته وبيته في صناعة اسباب نجاحه عبر اللجوء إلى المعارف الأدبية والثقافية، كي يطور نفسه ويصنع مجده الأدبي وامتلاك الخبرة في سلم الحياة الروحية والمعرفية. هناك مسؤولية كبرى على ذوي الطالب، وهم يحاولون الأخذ بأيدي أبنائهم إلى بلوغ الرقي وقراءة المستقبل بعيون مفتوحة. إن الطالب في الماضي يجيد قراءة الكتاب الثانوي. وهو في المرحلة الابتدائية، بينما نرى الان بعض طلابنا وهم في المرحلة الإعدادية لا يتقنون أبجدية القراءة وهي في مخاضاتها الاولى. وهذه هي مسؤولية المدرسة ومسؤولية العائلة في المقام 

الاول.