النوع والمصطلح في قصيدة النثر

ثقافة 2023/02/01
...

  عادل الصويري

يتقصى شريف رزق في كتابه (آفاق الشعرية العربية الجديدة – دار الكفاح للنشر والتوزيع 2015) موضوعة النوع والمصطلح لقصيدة النثر التي عدها «خرقاً حاداً لكل الأعراف الشعرية». وناقش الكلام الذي يتكرر حول جمع اللفظين: (قصيدة/ نثر) مستعرضاً بعض المقترحات الخاصة بالتسمية ومنها: (الشعر المنثور) و (النثر الشعري) – أميل للتسمية الثانية – من دون أن تشكل هذه المقترحات رفضاً لأصل الكتابة الشعرية بالنثر. لكنه يشير إلى ما اعتقده «نتائج مترتبة» على ترويج مصطلح قصيدة النثر؛ معللا ذلك ببطلان الفصل بين الأنواع الأدبية، بسبب التداخل بين النثر والشعر.

هناك من تجاوز قضية المصطلح، لينتقل إلى الظاهرة نفسها، ومنهم أحمد عبد المعطي حجازي ونازك الملائكة التي رأت أن قصيدة النثر تمثل خطراً على الأدب العربي، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين اعتبرتها خيانة للغة العربية والأدب.

بينما اتهم خليل حاوي شعراء القصيدة النثرية بأنهم طائفة تجهل قيمة الإيقاع المنضبط، ليصل إلى نتيجة أنها ظاهرة مرضية تخفي الحقيقة ببهرج الصورة.

وكذلك فعل محمد عفيفي مطر الذي نفى بشكل كُلّي وجود قصيدة النثر التي عدَّها مفتقدةً لأيّة مرجعية لغوية أو بلاغية أو تخيُّليَّة.

وعلى العكس من هذه الآراء التي تبدو في بعضها متطرفة، جاءت آراء أعلنت موقفها من شعرية قصيدة النثر بغض النظر عن المصطلح والتسمية، والتنظيرات المتعلقة بهما، ومنهم صلاح عبد الصبور الذي صرَّح أنه لا يحب تسمية قصيدة النثر، لكنه قال: «إنَّ كثيراً من أصوات الشعر المنثور تهزُّني».

أعتقد أنَّ صلاح عبد الصبور كان ذكياً حين أطلق تسمية الشعر المنثور في سياق حديثه، ولعله أراد بصورة غير مباشرة التعبير عن رفضه لمصطلح قصيدة النثر، وفي الوقت ذاته لفت النظر إلى الدهشة الشعرية التي تحضر في كتابات هذا النوع الشعري، وهذا هو المهم.

كما يرصد الموقف المتراجع لـ أدونيس الذي قال: «علينا أن نعيد النظر في ما قلناه ومارسناه مما يتصل بما سميناه قصيدة نثر».

ولا أعرف لماذا لم يناقش شريف رزق أسباب هذا التراجع الأدونيسي، الذي تحتاج كلمته هذه التي تحمل عدة تأويلات إلى تفكيك وشرح. فربما أراد الانحياز إلى طاقة الشعرية داخل النص دون الالتفات إلى أصل التسمية، شأنه في ذلك شأن صلاح عبد الصبور بدليل قوله: «بما سميناه قصيدة نثر» وكأنه يتحدث عن شيء نكرة غير معترف به.لكن أدونيس في الوقت ذاته يطالب بإعادة النظر في التنظير وفعل الممارسة للنثر بقوله: «في ما قلناه وما رسناه». وبما أننا نعلم أن كتابة أدونيس الشعرية بشكل عام، والمنثورة شعراً بشكل خاص قائمة على الرؤية والتحديث والشاعرية سنسأل: هل يريد أن ينفي شعرية النثر، وإعادة الشعرية إلى حيزها التقليدي، بمطالبته الصريحة بإعادة النظر؟

شريف رزق أشار أيضاً إلى قصدية جمع الضدّين (قصيدة/ نثر)، كون النثر يتشكل في تربة الشعر، وتثبت مكوناته فيه.

والتفت إلى جزئية شكلية تتعلق بالكتابة النثرية التي لا تأتي وفق الصورة التقليدية للنثر المكتوب موصولاً على فضاء الصفحة، بل يُكتب في سطور متباينة الطول، لافتاً إلى الخطأ الشائع الذي يسمي هذه الطريقة من الكتابة بالشعر الحر، ليؤكد أن النثر نقطةُ انطلاقٍ لتحرير الشعر، لكنه لم يشر إل تحريره من أي شيء بالضبط.

وفي موضوعة الإيقاع، يرى شريف رزق أنه في قصيدة النثر لا حد له، مستشهداً بوصف سوزان برنار له بطاقة الكهرباء التي تعطي أثرها نوراً كُلما سرت؛ كونه غير مرئي مثلما أن الكهرباء غير مرئية.

وهو في هذه الرؤية يتماهى إلى حد ما مع علاوي كاظم كشيش الذي رأى في كتابه (فلسفة الإيقاع في النقد العراقي المعاصر) حين اعتقد أن مصطلح الإيقاع يموج بالافتراضات والتعريفات، وأن أهل النقد انشغلوا بانتظام العبارات، وملاحقة الكلام وفق قياسات موسيقية أطلقوا عليها تسمية (موسيقى الشعر) التي اعتبرها كشيش مستوردة من فن مجاور (الموسيقى) وتم إسقاط معايير هذا الفن على القصيدة العربية، ليكون الطابع التعليمي مهيمناً على الرؤية الابداعية لتقويم القصيدة عن طريق الاهتمام بالقالب على حساب الكلام الشعري، وهذه في الحقيقة من أكبر السقطات النقدية. ومن خلال هاتين الرؤيتين النقديتين المتشابهتين حول الإيقاع، يمكن لنا اعتبار اللامرئي في الإيقاع، سواء كان خارجياً في القصيدة العروضية، أو داخلياً في النثر الشعري، هو المعيار الحقيقي والجمالي الذي يجب أن يُعتمد في أي بحث أو دراسة تتعلق بالإيقاع الشعري

وخفاياه.