و.. وباء آخر

آراء 2023/02/02
...

  نرمين المفتي 

 

في اليوم العالمي للتعليم الذي صادف الاسبوع الماضي، سمعنا من الخبراء التربويين أن نسبة الأمية في العراق هي 12 %. 

وكانت وكالة الأنباء العراقية قد نقلت في كانون الثاني 2022 عن وكيل وزارة التربية ورئيس الجهاز التنفيذي لمحو الامية، علاء الحلبوسي، قوله "لا توجد أعداد دقيقة عن الأميين في العراق"، بينما نقلت وفي التقرير نفسه عن المتحدث باسم نقابة المعلمين، ناصر الكعبي، بأن الأمم المتحدة قد ابلغتهم بوجود 12 مليون شخص أمي في العراق. وأضاف الكعبي بأنه "لا توجد تخصيصات مالية للجهاز التنفيذي لمحو الامية، لافتا إلى أن "العراق يتجه نحو الأمية وليس محو الامية". وبين المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحفي في أيلول 2022، بأن نسبة الأمية ارتفعت في العام الجاري، ويقصد 2022، إلى 13 % بين العراقيين لمن هم دون سن العاشرة، بعد ان كانت 12 ٪ في 2021، مضيفا ان "هذه النسبة ترتفع بين الاناث للفئة العمرية ذاتها لتصل إلى 18 ٪، في الوقت الذي تنخفض فيه نسبة الذكور لتسجل 8 ٪". علما واستنادا إلى الهنداوي في التصريح نفسه، فإن النسبة تشمل من هم في العاشرة من العمر فأكثر باعتبار أن الفئات العمرية الاصغر هم في سن الدراسة الابتدائية. 

المعروف أن العراق نال جائزة اليونسكو في نهاية السبعينيات لمحو الأمية، بعد أن نجحت حملة محو الامية، ولم يتبق في العراق أمي واحد للأشخاص (اناث وذكور) الذين اعمارهم 60 سنة فما دون، والمعروف ايضا بأن النظام التربوي في العراق كان الافضل في المنطقة حتى الفترة نفسها. توقف قانون التعليم الإلزامي، الذي كان يعاقب بالسجن أولياء الامور الذين لا يقومون بتسجيل لأبناء في المدارس الابتدائية، اينما كانوا، في الريف أو المدينة، عن العمل بسبب الحصار وبذريعة أن الصغار يقومون بالمساهمة في إعالة الاسرة! وبرغم اجراء دراسات حينها عن المتسربين من الدراسة بعد الالتحاق بالمدارس، إلا أن الجهات المختصة، لم تتخذ اجراء ملموس ومرة اخرى بذريعة الحصار، أي أن الطبقة الفقيرة كانت الأكثر تضررا ولا تزال. 

ماذا عما بعد نيسان 2003؟ لا بد من القول إن الحكومات المتعاقبة، بدءا من حكومة مجلس الحكم، ومرورا بحكومة اياد علاوي الانتقالية ووصولا إلى الحكومات المنتخبة بعدها، لم تنظر بعين الاهتمام إلى النظام التربوي، والذي يشكل العمود الفقري للحاضر والمستقبل والدليل بأن ميزانية وزارة التربية كانت الاقل دائما وبرغم هذه الحقيقة المرة، فإن هذه النسبة كانت مطمعا للفساد، ومبكرا جدا أشارت الصحافة ومنظمات المجتمع المدني إلى الفساد الذي تسببت به المحاصصة المقيتة في هذا المجال الأهم للمجتمع، ولكن استمرت الأذان من طين ورفضت الاستماع، وكانت (حملة) تحديث الابنية المدرسية قد هدمت الآلاف من الابنية اما جزئيا أو كليا، واستمرت كما هي بدون بناء أو إعمار، شاهداً يصرخ عما يجري.. على اية حال، ساهمت  قلة عدد الابنية المدرسية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، بارتفاع نسبة التسرب من المدارس، والمحاصصة، ترى ما يحدث بدون ان يرمش لها جفن. ان الفساد، كما قيل في الخمر، ام الخبائث، فقد كان سببا في الارهاب الظلامي وسببا في الفوضى، التي لا تقبل ان تتوقف وفي ارتفاع نسبة الفقر وفي البطالة وانتشار المخدرات وغيرها من المشكلات العويصة في البلد، أو بكلمات أدق وغيرها من الاوبئة المنتشرة في البلد. واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان نسبة الشباب أو من هم دون 18 سنة هي الاعلى بين العراقيين، سنرى من الآن مستقبل العراق، خاصة أن الفئة العمرية التي لا عمود فقريا لها، وأقصد التربية والتعليم ضمن هذه النسبة.. إن الأمية وباء خطير لا يجتاح الحاضر فقط انما المستقبل ايضا، ولا بد من التعامل معها كقضية أمن قومي.. لا أملك أن أنصح بحلول، طالما أن الجهات المختصة مصرّة على عدم النظر إلى الغد.