ميادة سفر
لطالما اعتقد البشر أنهم أسياد الأرض ومارسوا حياتهم فيها على هذا الأساس، محاولين بكل الوسائل المتاحة فرض سيطرتهم وسطوتهم عليها وعلى سكانها، ومع بروز الدول واتساعها وتطورها وظهور مفهوم الدول العظمى ازدادت الرغبة إلى مزيد من التسيد على الأرض وتجذرت في الأعراف وسنت القوانين التي أباحت للدول بمبررات شتى سبل السيطرة، وأخذت الأطماع تزداد وتتكاثر.
وبدأت الحروب التي رفعت بلاداً على حساب أخرى، وشرد الآلاف ومات الملايين عبر التاريخ البشري، في سبيل هدف واحد هو إثبات أنهم سادة، دون أن يكلف أي منهم نفسه عناء السؤال عمّا فعلوه بهذه الأرض والنظر إلى الحال التي وصلت إليها.
يتحمل البشر جميعاً دون استثناء مسؤولية ما حدث ويحدث للأرض وشعوبها من مآسٍ ودمار، بسبب الجرائم التي ارتكبت بحقهم من تدمير للبيئة والطبيعة، إلى الحروب المتواصلة التي لم تهدأ منذ مئات السنين بكل ما ترافق معها من قتل وتهجير وتدمير وتلويث وتخريب.
كثيرة هي الأنشطة التي تمارس على الأرض وتؤدي عبر تراكمها الزمني إلى شيخوختها وبالتالي القضاء عليها تدريجياً، من الاكتظاظ السكاني الهائل الذي لم تتمكن كل القوانين من الحد منه، والذي يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وغير الطبيعية التي لم تعد تكفي لتغطية استهلاك هذا الكم الكبير والمتزايد من البشر، فضلاً عن زيادة النفايات البشرية التي تؤدي إلى تلوث البيئة، هذا التلوث الذي يعتبر واحداً من الأسباب الأكثر إلحاحاً لمعالجتها، لما تحمله من تأثير في الحياة على كوكب الأرض، إضافة إلى النفايات الصناعية التي سببتها الدول الكبرى وأدت إلى ما بتنا نحصد نتائجه اليوم من ارتفاع في درجة حرارة الأرض وتلوث الهواء والمياه، نتيجة الاحتباس الحراري الناتج عنها والذي يستقطب سنوياً عشرات الدول لمناقشته ومحاولة التوصل إلى حلول بشأنه ولكن دون جدوى، في ظل تعنت دول ورفضها القيام بإجراءات تخفف منه، وهو الذي يسهم سنوياً بإحراق آلاف الهكتارات من الغابات ويدمر الغطاء الأخضر للأرض، فضلاً عن الفيضانات التي قتلت وشردت الآلاف.
كل ذلك يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في التنوع البايولوجي الذي يمتاز به كوكب الأرض، هذا التنوع الذي يؤمن كل أشكال الحياة، ويضمن صحة الإنسان وسلامته، ويوفر الهواء والمياه النظيفة، والأغذية الصحية السليمة، فضلاً عن كونه مصدراً للأدوية والعلاجات الطبية اللازمة لحياة الإنسان.
إنّ النشاط البشري غير المسؤول على كوكب الأرض أدى إلى نتائج كارثية وخطيرة على البشرية أجمع، بما فيها انهيار منظومة الغذاء والصحة، ويبدو أنّ الوقت لم يعد في صالحنا إن أردنا لهذه الأرض التي نعيش عليها أن تستمر، ولا بدّ من العمل على وقف تلك الأنشطة التي تدمر الحياة والتنوع البايولوجي عليها، لاستعادة واستدامة كوكبنا سليماً، عبر إعادة النظر في علاقة الإنسان مع الطبيعة ومع الإنسان الآخر، وإعطائها مزيداً من الاهتمام والأولوية، بعيداً عن أنانية الدول والحكام والأفراد التي تتحكم في الأرض عبر قرارات وأفعال وجرائم ترتكب بحقها، وإلا لن يبقى منا من يحكي كيف دمرّ البشر كوكبهم.