أرتال الفاشنستات وصناعة التفاهة

آراء 2023/02/02
...

 عمر الناصر 

التيه الفكري والثقافي، الذي نعاني منه اليوم والمطعم بنكهات مختلفة من اليأس، يعيد ذاكرتي المتخمة بالتراجيديا والتراوما والكوميديا السوداء لفيلم كلاسيكي قديم اسمه {تائه في الصحراء}.

استطيع تشبيهه بما يمر به الكثيرون ممن يؤمنون بحكمة "اذا لم تكن تعرف ماذا تريد، فكل الطرق تؤدي إلى هناك"، التي استفحلت بهم ثقافة "خالف تُعرف" على حساب الأسس الرصينة والمبادئ النقية وسمعة الدولة ومؤسساتها، ثقافة هجينة رفعت من منسوب التدهور المجتمعي والأخلاقي بسبب غياب معايير منظومة الاخلاق السياسية وضعف رقابة القانون على بعض المفاصل الحيوية، وكأن هنالك عملية ممنهجة مستمرة بتحديث نفسها على غرار التحديث الذي يطرأ على انظمة IOS والاندرويد والقياس مع الفارق، لأجل ضرب البنية الفوقية التي هي عماد التنمية والاستقرار، والذي انعكس ذلك سلباً على قوة واداء وسطوة الكثير من ادوات واجهزة انفاذ القانون، وبالنتيجة أساء وتغوّل الكثيرو ن ممن فسروا بأن حرية التعبير المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور، بأنه الاستهتار والخروج عن المألوف والأعراف العامة والذوق العام، بل ذهبوا أحياناً كثيرة إلى الاستخفاف وعدم احترام هيبة الدولة وقوانينها ومكانتها الفعلية، والتقليل من أهمية أحقيتها بمحاسبة المسيئين والمروجين للافكار الهدامة والمتطرفة والدخيلة، التي تشوّش وتشتت الجهود الحكومية لمواجهة مهام خطرة في حقل مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، والتي ساهمت بعض وسائل التواصل الاجتماعي من رفع مستوى التحديات، وتفتيت النسيج المجتمعي وازدياد عمليات النصب والاحتيال والابتزاز، بل وزعزعت الثقة بالجهود المؤسساتية الرامية لاعادة ترميم ماتبقى من بقايا القشرة الداخلية للتعايش السلمي، ولتجنب الزيادة الملحوظة والمفرطة في رواسب عدم الاحساس والشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية ودور المواطن في دعم الدولة، جعل صناعة التفاهة هي علامة فارقة ومميزة وماركة مسجلة للكثير ممن يلهثون وراء الشهرة و"الطشة" كما يطلق عليها اليوم، لخلق مجتمع قطيع Cuttle society يسمع ويطيع تتزايد فيه ارتال من الامعات والعاهات، التي ملأت منصات الفيسبوك والتيك توك، تارة تطل علينا سيدة تخاطب احد المسؤولين ليفتح الطريق لها بعد أن أزعجها الازدحام، ليزيل مفرزة كانت تنفذ مهامها بالبحث عن الإرهابيين والمطلوبين، وأخرى تظهر لنا وهي متأثرة بأفلام رعاة البقر وتكساس لترمي العيارات النارية في الهواء، وما بين هذه وتلك نجد المواطن قد وقع ما بين مطرقة سطوة نفخ البراطم وسندان نفوذ مؤخرة الجكسارة، التي لديها القدرة لفتح اي انسداد مروري، بل لها القدرة على نقل أي منتسب امني يطبق القانون، إذا ما أزعج ذلك مزاجها الليموني.

نحن شعوب لا يعنينا التخطيط المستقبلي لضمان مستقبل الاجيال ولا يهمها قوة الوعي لبناء الانسان، لأن جميع مقومات استقبال التفاهات والامراض الاجتماعية أصبحت متوفرة لها بيئة مناسبة، بالإمكان وصفها بالفايروسات التي اصبح انتشارها اسرع من انتشار الروائح العفنة وكوفيد-  19، في ظل تراجع ملموس لدور الوطنيين والمثقفين والمخلصين، الذي يفترض ألا يكون دورهم خجولا في التصدي لمثل هذه المسؤولية العظيمة، لكون التفاهة اصبحت الصبغة السائدة، التي بدأت تتأثر بها أجيال لم ترَ أمامها أفكاراً نموذجية، تعزز من الثقافة الحية والقيم الانسانية السامية والاصيلة، وبالتالي كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٍ عن رعيته.