بين العرف والدين

آراء 2023/02/02
...

  ود حميد


على الرغم من كثرة أحاديثنا عن الدين والحلال والحرام، إلا أننا لا نعدُّ مجتمعاً فاضلا، بل قد يتعدى الموضوع لكوننا مجتمعا ربما منافق، كثير الحديث قليل التطبيق، ولعلَّ من أهم الأسباب التي ساهمت في هذه الظاهرة هي:‏

 ‏ أولا: التعامل مع الدين وطقوسه كموروثات اجتماعية وبيئية لا أكثر، فالأغلبية العظمى اليوم من المجتمع، خصوصا من يكثرون احاديثهم حول الحلال والحرام لا يفقهون سبب تحريم الكثير من الأمور، وإذا سألتهم لماذا هو حرام فيكتفي بقول حرام فقط، وربما يصاب بالعصبية، لأنه لايمتلك السبب، وليس لديه تبرير ولايعرف المغزى، وهذا بسبب النشأة الاجتماعية، فسابقا يعلموننا ويلقنوننا الحلال حلالاً والحرام حراماً، من دون شرح السبب والعلة، وهذه التريبة هي من ساهمت ايضاً بتجميد العقل وعدم التفكير واتباع الجاهز من القول والفعل، الذي نتج عنه التبعية، والتي إلى الآن لم تُحمد عواقبها، وربما أن المعلومة التي تلقيناها وتربينا عليها لم تكن صحيحة أصلا، فسابقا كان هناك خلط كبير بين العيب والحرام، والكثير منا يعتبر أن العيب بضرورة ان يكون حراما، على الرغم أن الكثير من الأعراف الاجتماعية، التي تندرج تحت قائمة "العيب" هي حلال وليست حراما أصلا. ‏

 ‏ثانيا: الدين اسلوب حياة متكامل يحمل جوانب روحية فقهية عقائدية والكثير غيرها، البعض يركز فقط على جانب واحد وهو الجانب الفقهي ويحاول الالتزام به، وللاسف يفشل في الكثير منه ويبدأ يناقض نفسه لانه لم يستوعب أن بقية الجوانب هي من ترسم اللوحة كاملة وتلونها، وتضع أسساً متكاملة لاسلوب الحياة، ولا يجب غض البصر عنها، بل هي مكمل رئيسي وأساس للدين وهي من تعطي له روحانيته. ‏

 ‏ثالثا: استخدام الدين كغطاء اجتماعي فقط لاسباب عديدة وغايات كثيرة، فالشخص احيانا لا يعرف الدين بل قد لا يؤمن به أصلا ولا يهمه حلال الدين من حرامه، بقدر ما يهمه تقييم الناس له وحين يرى ان الناس في رقعته تقدر وتشيد بالمتدين أو بمظاهر التدين، فيحاول تقمص الدور قدر الامكان ولهذا يظهر الكثير من الرياء والتناقض بين أقواله وأفعاله.

العالم تغير اليوم وبدأ لا يعطي للجاهل أي حق، خصوصا أن وسيلة الوصول للمعلومة متاحة، فاليوم الموروث يجب ألا يُأخذ بتسليم كامل وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، بل يجب أن تخضع كل الامور، سواء الدينية أو غيرها للعقل (آيات لقوم يعقلون)، فهنا التفكر والتأمل هو جزء كبير من حل المشكلة، إن لم يكن كلها، كما أن الدين يُعتبر أمرا روحانيا بالمرتبة الاولى، فهو ركز في بداياته على الايمان، الذي هو جوهره الاساسي، لذا لا يجب أن يُعامل بركن واحد من أركانه، ولا يجب أن يُحصر بزاوية واحدة، فهذا يجعل منه أمراً صعباً وشاقاً، ويفقد الكثير من روحانيته وجوهره.