احسان العيد.. أبوذيات عذبة من بساتين سوق الشيوخ

ثقافة شعبية 2023/02/02
...

 عرض: عادل العرداوي

الشاعر احسان العيد تربطني به علاقة معرفة شعرية طويلة تعود إلى نهاية القرن المنصرم، إذ  كنت أنشر له بعض نتاجاته الشعبية في الصحف المحلية التي كنت أعمل فيها أسوة بالشعراء الآخرين ..

يومها كان العيد يسكن في مدينته ومربع صباه حاضرة الشعر الأصيل بنوعيه الفصيح والشعبي وأعني بذلك (سوق الشيوخ) التي تعد منجماً ذهبياً من مناجم (الأبوذية ) العراقية المؤثرة، فهي مدينة رائد الأبوذية الشهير الراحل (أبو معيشي)، وأقرانه الكبار .

إحسان العيد الذي استقر في السنوات الأخيرة في العاصمة بغداد، وصلتني منه قبل أيام نسخة من مجموعته الشعرية الأخيرة (في البساتين) الصادرة في أواخر عام / 2022 المنصرم  وتضم ( 100) صفحة من الحجم المتوسط مكرسة فقط لشعر الأبوذية العائد للشاعر العيد، إذ نشر فيها أكثر من (300) بيت أبوذية عالج فيها موضوعات مختلفة منها العتاب والغزل، والسياسة والإخوانيات وغيرها من الموضوعات التي تطرق إليها وهو الذي أهدى مجموعته هذه إلى:

(إلى كل بيت أبوذية نزفه الأجداد، حرفي الأول، وصرختي .. مدينتي الدافئة سوق الشيوخ التي أدبتني، وإلى عروس العراق بغداد التي أدبتني) خاصة إذا ماعرفنا أن سوق الشيوخ تعد واحدة من أبرز حواضن الأبوذية العراقية والشعراء والحفظة وعشاق هذا الفن الشعري والغنائي الباذخ وهم من الكثرة بمكان لايحيطهم إحصاء .!

فالأبوذية ما زالت في سوق الشيوخ وما زالت تمثل  لغة التعامل اليومي في حياة الناس العادية.

والأبيات التي أوردها إحسان العيد في هذه المجموعة إنما تمثل خلاصة عمره الشعري التي صبها في قالب الأبوذية، فضلاً عن كونه شاعراً متمكناً في فنون الشعر الأخرى.

فمن أبياته الجميلة تلك نقطف بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر منها ما قاله في هذا البيت المطرز بالمقاصير الشعرية الذي يدل على تمكنه من حرفة الشعر:

منو الرتب لك الحاجب منحلاك 

اكيد الباري من خصص منحلاك

نطاك امن الغصن طوله 

ورسم بالشفه هلهوله

اعله خصرك  ناس مكتوله 

الشعر چن ساعة السوده 

الصدر چن سفره ممدوده 

وطن بس تايهه احدوده

اخدودك تخر دهن الحر 

عجوز وطابخه العنبر..

الشمك من بعد يسكر 

عسل يختلف مشروبه منحلاك 

عصير امن الجنان أنخبط ميه.!

وفي بيت آخر من الأبوذية التقليدية يتغزل ويحذر في آن واحد إذ يقول: 

المثلك يوگف الديوان ياهيل 

واعرفك بالدلال اتفور ياهيل

بالك لاتناقش شخص ياهيل (جاهل) 

ينزلك للثرى وانته الثريه ..!

وفي آخر يتكلم عن الهموم والأحزان التي تحيط به ويشبه مبلغها وضخامتها بمقدار الهموم التي تسكن في قلوب الأمهات الحزينات هناك 

في الناصرية وأريافها :

عمر گضيته بالركضه وهم بي 

وصلت ولاچن اشبين وهم بي 

اغسل بالفرح گلبي وهم بي 

ابكثر هم امهات الناصريه..


وهكذا وكما يرى احسان العيد فإن جدران الأبوذية الأربعة تقترب من جسد الشاعر رويداً رويداً، فيستشعر خطر المهمة ووسع الهاوية، وعظم المصاب، فيذب ويذود عن نفسه المرفرفة كالطائر الجريح، لينفخ على المعنى دائراً حول نفسه كمحاولة طيران أخيرة ينفذ بها متلولباً في رحلة صوفية متفردة..

إذن هذه رؤية شاعر الأبوذية في ظلال بساتينها الوارفة .