قيمة الفن اجتماعياً

ثقافة 2023/02/04
...

 خضير الزيدي 


هناك أكثر من تصور فكري يجعل من الفنون الإنسانية ذات اهمية اجتماعية تعزز ذلك منذ أن بدأ الرسام والنحات وهو يوظف سمات الوجه والجسد ورمز القوة والاخصاب في أعماله وبدا الفن أكثر اتساعا، حينما تطورت نتائجه وعد يومها فتحا ثقافياً يضاف إلى ما أنجزه المسرح القديم من تصور جمالي وتعبوي وتعبيري، فشكلت الفنون بأجمعها نزعة شكلية لها مواضيعها وحقائق رؤيتها. وإذا تطرقنا إلى الرسم العراقي منذ خمسينيات القرن المنصرم سنجد ما يعزز مقولتنا بأن الرسم (الواقعي) حينها كان الأكثر حساسية من حيث الدلالة والانطباع في التصور الاجتماعي وبدت ثمرته تنضج يوما بعد يوم فضاعف الفن من أهمية تأثيره اجتماعيا في ما تتجلى فيه من مضاعفات وفرص تضاف لقابليته الجمالية والتعبيرية، فهل عد الفن العراقي، ومنه الرسم ذو تأثير واقعي ونفسي في جواني الحياة الاجتماعية؟ في ستينيات القرن المنصرم ظهرت اتجاهات سياسية ومدارس فكرية تأثر بها الفن العراقي، وبدت لنا العلاقة بين الفن والاجتماع أكثر اتساعا في محاولات الارتفاع إلى عالم مثالي ليس لأن الطبقات الاجتماعية الارستقراطية في وقتها كانت فاعلة بل، لأن البعد الفكري في جوانب السياسة احتاج لأمثلة ذات صلة بين اطروحة الفن والحياة اليومية، فذهب نفر من فناني العراق لتوظيف البيئة ويوميات الحياة البغدادية والريف، ومثلت رسم المساجد والقباب والنواعير (نوري الراوي مثالا) مساراً لتوظيف اجواء من الطبيعة، فعصف بالفن خطاب مؤثر وصف يومها بحقل المعرفة البصرية، فكان لحساسية الفن أن تظهر جوانب الحياة الاجتماعية العراقية بصورة خصبة سهلت على ذائقة المتلقي. أن ينجذب للرسم ويهرع لرؤية الأعمال ويأخذ بعين الاعتبار أن الرسم مثل يوميات الفرد العراقي بأحسن تمثيل على الأقل وجود رسومات تتجه نحو الواقعية (خيول فائق حسن/ قرية خالد الجادر صيادي السمك لسعد الطائي بغداديات جواد سليم ونزيهة سليم) كل ذلك صعّد من مغزى أهمية الفن اجتماعيا، لكن الفنان لم يبق حبيس فكرة الواقعية وتوظيف الطبيعة والرموز الدينية فسارع إلى ايجاد فن يمثله لوحده، حتى لو بقى منزويا في فرادة أسلوبه (سالم الدباغ واتخاذ الفن التجريدي مثالاً). هذا التصور في ايجاد أسلوب لم يقترب من الواقع إنما تمخض عن فكرة تقديم فن يجابه كل من يعترض طريقه فكرياً في الحقيقة (لا أمس ولا اليوم يبدو الفن التجريدي انعكاسا للمجتمع) أو تصور ينقل عنه محاكاة من نوع آخر، لكن التجريد له دوافع حسية وهندسية وبصرية، ربما تتقاطع مع الفن الواقعي لو تمت لنا مقارنة ما رسمه عبد القادر الرسام مثلا مع توجهات سالم الدباغ بينما نرى العكس في رسومات محمد مهر الدين حينما جعل من لوحاته فنا مناهضاً للمحتل وجابه في لوحاته أفكارا مضادة وأكثر وحشية في دمار الإنسان مثلما حدث مع موقفه من احتلال العراق أو هيمنة القطب 

العالمي. 

نفهم من كل ذلك أن الفن الواقعي والتعبيري اوجدا علاقة تتوازن بين أفكارهما والواقع الحياتي سواء جاء ذلك ضمن نمط من الأفكار التي تستلهم التاريخ أو البيئة أو الرموز الدينية أو وفقا لأشكال وحروف لها ايقاعها التعبيري، لكنها من مسلمات الفن الاسلامي المهم هناك لوحات تتغنى بالحياة وتعكسها مما يجعلها في سياق التوظيف الجمالي هذا المفهوم لم يزل قائما امامنا حينما نرى عشرات الأعمال الواقعية وهي تشع توهجنا أمام أبصارنا تنتمي لمجموعة علاقات وموضوعات لها ما يثير احساسنا ويضفي مزيدا من المشاعر الملتهبة بعد رؤيتها.. 

قيمة الفن اجتماعيا أن يحرك مشاعرنا اتجاه جمال من نوع خالص يضفي لمسات نفسية وحسية ويأخذنا باتجاه معرفة طريقة الرسم ومدارسه والأسباب الداعية لتمسك الفنان بطريقته وقيمته الثقافية سيكون اكثر حضوراً في مفاصل اليوميات وهي تقترب مدركات المرء من أسباب وجوده على هذه الارض لنقل أن محاولة الاستفادة من الفن ستجعلنا نبصر فرضيات الوجود ومرجعيات الأفكار التي تؤكد على قيم الحياة والتعايش السلمي، بل وحتى العودة إلى الأصول والجذور القديمة التي مثلتها الامم السابقة .قيمة الفن اجتماعيا ستظهر أمامنا دائما لأنه بمثابة رد لانفعالاتنا ومحاكاة 

لواقعنا.