لفرط حماستي وأنا ارى بأم العين كيف تحققت أمنية والدتي التي طالما رددتها بقولها (اريد الله يطول عمري حتى اشوف صدام بالقفص)، ضيعت الكثير من الفرص، احداها رتبة مقدم قدمت لي من جهة متنفذة لكوني معتقلا سياسيا، رفضتها لأني كنت أتوق لممارسة حريتي المستلبة مني لعقود والطيران لشتى اصقاع العالم، وعدم رغبتي بالعودة الى سلك العسكرية الذي كنت امقت كل ما فيه.
كنت كما الكثير غيري متأكدا ان جل احلامنا ستتحقق واننا سنكون مثل اي شعب خليجي ان لم نكن الأفضل، وسنرمي عنا اعباء الهم والخوف والحزن ونطير عاليا الى افق السعادة والرخاء، ولم لا ونحن نمتلك كل هذه الخيرات التي لها اول وليس لها آخر، بدءا من النفط وحتى السياحة الدينية والطبيعية، وسنتنعم اخيرا بخيراتنا التي كانت حكرا على صدام وعائلته وزبانيته ومتملقيه.
من الامور البديهية التي كنت متيقنا منها، هو امكانية حصولي على بيت، لأني وكما كنت معتقدا ان اول ما ستقوم به الحكومة الديمقراطية الجديدة، هو اجراء مسح كامل للعوائل العراقية وستقوم بتوزيع قطع اراض وتوفير قروض البناء لأن ذلك يعد من ابسط حقوق المواطنة لأي دولة عادية فكيف بدولة التغيير الديمقراطي
الغنية ؟
ولكن سرعان ما صحوت من حلمي الجميل بدءا من أول سيارة مفخخة انفجرت وانشغال الحكومة بمحاربة الارهاب وتفشي الفساد بشكل سرطاني، وتبدد كل صور الجمال التي كانت مرسومة في ذهني لدولتنا الجديدة، وأحسست حينها بأني عالق في كابوس خانق او برزخ بين الجنة والنار، فمن جهة نجونا من نار صدام وحديده ومن جهة أخرى لا نستطيع الوصول الى جنة التغيير والتنعم بالحرية
والرفاه المنشود، فعدت الى واقعي بخفي حنين وانا افتش عن سبب ذلك، فما وجدت بعد ان قلبت عقلي يمينا وشمالا غير داء ورثناه من حكومة البعث الهوجاء وهو عدم الولاء للوطن وتقديم
الانا على كل شيء آخر، وكأن شعارنا أنا ومن بعدي
الطوفان.
من هنا استشعرت وبكامل قواي معنى الاية القرآنية التي تقول (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) فعلمت ان الحاكم
من سنخ المحكوم وان العلة تكمن فينا، لكوننا لم نتعلم من دروس الماضي ولم نشكر الله على عظيم نعمه حينما سلط على الظالم ظالم مثله ليخلصنا منه، بل سرعان ما كفرنا بهذه النعمة حين توجهنا
الى مؤسسات الدولة ونهبناها بشراسة، وما زال الكثير يمارس هذه العملية بنهم كبير وشهية مفتوحة رغم رؤيته لدموع اليتامى وسماعه آهات
الثكالى وشمه رائحة دماء الشهداء التي لم تجف بعد، بل الادهى من ذلك كله وأس المشكلة هو جموع المصفقين للسارقين الذين افسدوا نعمة التغيير
واشمتوا بنا الاعداء ودفاعهم المستميت عنهم ورمي التهم على ساحة غرمائهم وكأن زعيمهم برئ من الفساد براءة الذئب من دم يوسف، فاصابونا بحسرة تكاد تزهق ارواحنا
ألما.