المسرح وسياقات الأداء التقليدي

ثقافة 2023/02/05
...

 د. علاء كريم


يعد فن الأداء التمثيلي واحداً من الفنون المؤثرة على خشبة المسرح، فهو يعتمد مجموعة محاور، منها، ما يطلق عليه أسلوب الأداء التقليدي، والآخر يطلق عليه أسلوب الأداء غير التقليدي، كما أن هناك أداء النسق أو النظام الخيالي، فضلاً عن أداء النسق التقني.

ويلعب الأداء دوراً حيوياً داخل منظومة المسرح الإبداعية، وخاصة في عنصر التمثيل المرتبط بالاتجاهات الحديثة، والتي يمكن لها أن تنزاح عن مفاهيم الأداء التقليدية، إلى آفاق جديدة مغايرة، وهذا ما سنتناوله لأجل تحقيق رؤى جديدة في طبيعة الاداء على المسرح، وتنوع المستويات الأدائية عن طريق استجابة الممثل للتقدم العلمي والثورة التكنولوجية، أو وفق تعبير الممثل عن سيكولوجيته المتـــغيرة القلقة الباحثة عن الجديد والمختلف، أو عبر محاولات تقمص الممثل السمة البدائية في التمثيل أو عن طريق الفطرة.

قد يلجأ بعض الممثلين في العروض المسرحية ومنها (المسرح الشعبي) إلى الخروج على النص، وايضاً إلى الارتجال كونه دلالة على سرعة البديهة ونوعاً من الإبداع، وهذا ما قال فيه (د. سامي عبد الحميد) إن انزياح الممثل للارتجال والخروج عن النص قد يسيئ إلى المصطلح أو إلى التقنية الأدائية التي يلجأ إليها الممثلون في المسرح التجريبي على وجه الخصوص وبقية المسارح، والملاحظ أن الخروج على النص لا يحدث إلا في عروض المسرحيات التي تنطق باللهجة الشعبية، وليس باللغة الفصحى التي تبقى عصية على الذين يخرجون عن النص، بينما تبقى اللهجة أو اللغة العامية الدارجة سهلة المنال ومن هنا ينتج الاستسهال في هذه المسارح.

والارتجال التقليدي هو الابتكار الذي يلجأ إليه الممثلون عند طرح بدائل وخيارات في الأداء الصوتي والجسماني، وله جذوره التاريخية حيث التراجيديا الإغريقية التي نشأت عند ارتجالات قائد الجوقة في الطقس الديني (الديثيرامي). كما يتجسد الأداء التقليدي لدى الممثل عند محاكاة وتقليد أشخاص آخرين أو موقف لغرض وهدف معين، وبشكل مرئي على خشبة المسرح أمام الجمهور. بدأ فن التمثيل عند الإغريق على شكل رقصات وحركات إيقاعيّة يؤديها الممثلون في الطقوس والاحتفالات الدينيّة، والتي تمارس فيها حركات يصاحبها بعض التراتيل والحوارات التي خلقت ملامح التمثيل الأولى، وكما اعتمد فن التمثيل عند الشعب اليوناني على قوة الصوت وتنوع بعض الحركات البهلوانيّة والاستعراضيّة، رغم أن التمثيل كان خطابيّاً جامداً بسبب عدم وجود القوانين والمعايير الخاصة بفن

التمثيل. 

يؤكد (د. فاضل خليل) على أنَّ المتلقي هو الثابت الوحيد في المسرح، بالمعنى النسبي الإيجابي للأفكار التي يقدمها الممثل عبر الأداء. أما (الممثل) فيبقى هو المتحرك الأساسي في المسرح، من هذا المعنى ننطلق نحو ما تشكله مكانة الممثل في المسرح، فهو من يمنح الحياة على الخشبة ويحرك كل ما عليها. كما يرى المخرج الروسي (توفستونوكوف) أن الممثل يجسّد ما يريده المخرج، بوساطة لغته الخاصة التي يمتلكها من الصوت والجسد وفي مقدار تحكمه بهما، وكيفيّة إمكانيته في التحدث بهما وفق ما يتفق عليه الجميع ممثلين وغير ممثلين. 

وأرى أنَّ الحركة الأدائيّة عند الممثل ترتكز أساساً على وصف الفعل الدرامي، وخلافاً للفعل التقليدي الذي يرتكز على الحوار في تجسيد الفعل، الذي يتضمن وصفاً صوريّاً لحركة الشخصية. أيضاً يجسد الأداء التقليدي لتلبية المتطلبات المتناقضة لخفة الحركة والثبات التي يعتمدها الممثل، وقد يبتعد عن استخدام بعض الأساليب التي تنتمي إلى الأداء التقليدي، عبر السخرية والحركة الضاحكة أو التي تؤدي الى اشمئزاز المتلقي الذي يبحث عن المتعة التي لا تخلو من النصائح؛ لذا على الممثل استخدام تقنية التحول من حال إلى حال أو يتحول إلى شكل آخر أو شخصية أخرى تختلف عن الشخصية الأولى، كأن يتحول الخادم إلى سيد وبالعكس، ويتجسد كل ذلك في المسرح التقليدي أن توفرت فيه أساسيات يستطيع الممثل أن يتبناها. وهناك متطلبات أساسية عامة لفن التمثيل، لا غنى عنها لأي ممثل سواء كان كوميديا أم غيره، وهي الموهبة التي يجب توفرها لدى الممثل، تعتمد الموهبة على صقل المهارة، وتهذيب وتطوير المهارات المطلوبة لإثارة تفاعل الجمهور.

ومن ثم تبقى منظومة التلقي مرتبطة بسياقات الأداء المسرحي، ضمن حدود المفاهيم التي تنزاح نحو اتجاهات تفاعليّة جديدة خارج الأنساق التقليديّة، والتي يمكن لها خلق حالة تفاعليّة ما بين فضاء المسرح والمتلقي لتعطي صورة عامة للحياة المحيطة بالجمهور ضمن سياقات تنزاح إلى كسر المتوقع لدى

المتلقي.